الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المعيار الشرعي للحكم على الأشياء

السؤال

هل الحكم على الشيء يكون على اسمه أم على المسمى (أي الشيء نفسه بغض النظر عن اسمه كان حلالًا أم حرامًا) أم على الاثنين معًا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحكم على الشيء يكون باعتبار مسماه وحقيقته، ولا يغير الاسم من حقيقة الشيء أو حكمه؛ يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- كما في إعلام الموقعين: وَلَوْ أَوْجَبَ تَبْدِيلُ الْأَسْمَاءِ وَالصُّوَرِ تَبَدُّلَ الْأَحْكَامِ وَالْحَقَائِقِ لَفَسَدَتْ الدِّيَانَاتُ، وَبُدِّلَتْ الشَّرَائِعُ، وَاضْمَحَلَّ الْإِسْلَامُ، وَأَيُّ شَيْءٌ نَفَعَ الْمُشْرِكِينَ تَسْمِيَتُهُمْ أَصْنَامَهُمْ آلِهَةً وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ وَحَقِيقَتِهَا؟ وَأَيُّ شَيْءٍ نَفَعَهُمْ تَسْمِيَةُ الْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ نَفَعَ الْمُعَطِّلِينَ لِحَقَائِقِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ تَسْمِيَةُ ذَلِكَ تَنْزِيهًا؟ وَأَيُّ شَيْءٍ نَفَعَ الْغُلَاةَ مِنْ الْبَشَرِ وَاِتِّخَاذَهُمْ طَوَاغِيتَ يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ تَسْمِيَةُ ذَلِكَ تَعْظِيمًا وَاحْتِرَامًا؟ وَأَيُّ شَيْءٍ نَفَعَ نُفَاةَ الْقَدَرِ الْمُخْرِجِينَ لِأَشْرَفِ مَا فِي مَمْلَكَةِ الرَّبِّ تَعَالَى مِنْ طَاعَاتِ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَعِبَادِهِ عَنْ قُدْرَتِهِ تَسْمِيَةُ ذَلِكَ عَدْلًا؟ وَأَيُّ شَيْءٍ نَفَعَهُمْ نَفْيَهُمْ لِصِفَاتِ كَمَالِهِ تَسْمِيَةُ ذَلِكَ تَوْحِيدًا؟ وَأَيُّ شَيْءٍ نَفَعَ أَعْدَاءَ الرُّسُلِ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَلَا يُحْيِي الْمَوْتَى وَلَا يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَلَا يَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ الْمَوْجُودَاتِ وَلَا أَرْسَلَ إلَى النَّاسِ رُسُلًا يَأْمُرُونَهُمْ بِطَاعَتِهِ تَسْمِيَةُ ذَلِكَ حِكْمَةً؟ وَأَيُّ شَيْءٍ نَفَعَ أَهْلَ النِّفَاقِ تَسْمِيَةُ نِفَاقِهِمْ عَقْلًا مَعِيشِيًّا وَقَدْحِهِمْ فِي عَقْلِ مَنْ لَمْ يُنَافِقْ نِفَاقَهُمْ وَيُدَاهِنْ فِي دِينِ اللَّهِ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ نَفَعَ المكسة تَسْمِيَةُ مَا يَأْخُذُونَهُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا حُقُوقًا سُلْطَانِيَّةً وَتَسْمِيَةُ أَوْضَاعِهِمْ الْجَائِرَةِ الظَّالِمَةِ الْمُنَاقِضَةِ لِشَرْعِ اللَّهِ وَدِينِهِ شَرْعَ الدِّيوَانِ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ نَفَعَ أَهْلَ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ تَسْمِيَةُ شُبَهِهِمْ الدَّاحِضَةِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْإِيمَانِ عَقْلِيَّاتٍ وَبَرَاهِينَ؟ وَتَسْمِيَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَصَوِّفَةِ الْخَيَالَاتِ الْفَاسِدَةِ وَالشَّطَحَاتِ حَقَائِقَ؟ فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ حَقِيقٌ أَنْ يُتْلَى عَلَيْهِمْ: {إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}[النجم: 23]. انتهى.
وقال الشيخ/ تقي الدين الهلالي -رحمه الله- في مقالاته وهو يتكلم عن حديث أبي واقد الليثي -رضي الله عنه- قال: (خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة (أي: شجرة من السدر) يعكفون عندها وينوطون (أي: يعلقون) بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله؛ اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الله أكبر! إنها السنن، قلتم -والذي نفسي بيده- كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة}، قال: إنكم قوم تجهلون. لتركبن سنن من كان قبلكم) رواه الترمذي، وصححه).

قال محمد تقي الدين: تأمل أيها الموفق لاتباع كتاب الله وسنة رسوله، المحقق لتوحيد الله، هذا الحديث تجد فيه مسائل ... ثم ذكر منها: أنه لا عبرة بالأسماء وإنما العبرة بالمسميات، فإنهم لم يقولوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: اجعل لنا إلهًا نعبده من هذه الشجرة بتعليق أسلحتنا في أغصانها والتبرك بالجلوس عندها، بل قالوا: اجعل لنا ذات أنواط كما للمشركين ذات أنواط، فأخبرهم، وأكد لهم أن ذلك اتخاذ لتلك الشجرة إلهًا. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني