الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم انتقاد الآخرين في غيابهم

السؤال

هل انتقاد الآخرين في غيابهم غيبة، وتوجب القيام من المجلس، مثل قول: (فلان لماذا فعل هذا؟ كان من الأحسن أن يعمل كذا.. هذا خطأ) مع أن الناس يعتبرونه كلامًا عاديًا، لا إساءة فيه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، وبعد:

فقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة بقوله: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فقد بهته. رواه مسلم، وغيره.

ونقد آراء الآخرين وتصرفاتهم، قد يكون غيبة إن كان على وجه التنقص منهم، والسخرية، والاستهزاء بهم، قال المناوي في فيض القدير: الغيبة ذكرك بلفظ، أو كتابة، أو رمز، أو إشارة، أو محاكاة أخاك في الدين في غيبته (بما) أي بالشيء الذي يكره لو بلغه في دينه، أو دنياه، أو خلقه، أو خلقه، أو أهله، أو خادمه، أو ماله، أو ثوبه، أو حركته، أو طلاقته، أو عبوسته، أو غير ذلك مما يتعلق به سواء ذكره بلفظ، أو إشارة، أو رمز كما في الأذكار عن الحجة، بل أو بالقلب قال: وممن يستعمل التعريض في ذلك كثير من الفقهاء في التصانيف، وغيرها، كقولهم: قال بعض من يدعي العلم، أو بعض من ينسب للصلاح، ونحو ذلك مما يفهم السامع المراد به، ومنه قولهم عند ذكره: الله يعافينا، أو يتوب علينا، أو نسأله السلامة، فكل ذلك من الغيبة.

قال الغزالي: وإياك وغيبة القراء المرائين، وهي أن تفهم المقصود من غير تصريح، فتقول: أصلحه الله، وقد ساءني، وغمني ما جرى عليه، فنسأل الله أن يصلحنا وإياه، فإن هذا جمع بين خبيثين: الغيبة إذ به حصل التفهيم، والآخر تزكية النفس، والثناء عليها بالتحرج، والصلاح وإن كان قصدك الدعاء له بالصلاح، فادع له سرًّا، وإن اغتممت له، فعلامته أن لا تريد فضيحته، فيحرم. اهـ.

وقد لا يكون نقد الأخطاء غيبة إن كان بغرض بيان الحق بالحجج، والتحذير من تلك الأخطاء، قال الذهبي في السير: كلام الناقد الورع، في الضعفاء من النصح لدين الله، والذَّبَّ عن السنة. اهـ.

وفي كلام للشيخ ابن باز -رحمه الله- منشور في موقعه حول تصيد أخطاء الدعاة، والحديث عنها- يقول: ...فإن لم يتيسر ذلك (يعني المجادلة بالتي هي أحسن) ورأى أحد أنه لا بد من بيان المخالفة، فيكون ذلك بأحسن عبارة، وألطف إشارة، ودون تهجم، أو تجريح، أو شطط في القول ... ويقول: أي أن التنبيه يكون بمثل هذا الكلام، بعض الناس قال كذا، وبعض الناس يقول كذا، والمشروع كذا، والواجب كذا، فيكون الانتقاد من غير تجريح لأحد معين، ولكن من باب بيان الأمر الشرعي، حتى تبقى المودة، والمحبة بين الإخوان، ودون تعرض للأشخاص، أو اتهام للنيات، أو زيادة في الكلام لا مسوغ لها. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في مثل هذه الأمور: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا" انتهى بتصرف يسير.

وإذا تقرر هذا؛ فإنه يتبين أن انتقاد الآخرين في غيابهم، منه ما هو غيبة توجب الإنكار، أو القيام من المجلس، ومنه ما ليس بغيبة إذا كان نقدًا للأخطاء بالحجج بغرض التحذير منها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني