الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طلب الزوجة الطلاق من الزوج الذي يجاهر بالمعاصي

السؤال

تزوجت أمي من أبي منذ 30 عامًا، واكتشفت بعد الزواج أنه يمارس الزنا كثيرًا، ولأنها أحبته، وهي قوية الإيمان بالله، صوامة قوامة، وكان لديها أمل أن يهديه الله، وبعد ذلك بأعوام اكتشفت أن العائلة مستنقع للزنا ـ والعياذ بالله ـ لا حياء عندهم، بل يجاهرون أمام بعضهم، ويفتخرون بذلك، وكانت قد أنجبت 3 أطفال، ولم يكن لها مأوى آخر، وقد تعرضت لمضايقات، ومحاولات من جدي لأبي لإيقاعها في فعل الفاحشة معه بسبب سفر أبي الدائم، وكثيرًا ما هجرها أبي خلال إجازته بعد غياب، وتحملت كل هذا، واجتهدت في تربيتنا، وتقوية علاقتنا بالله، والحمد لله أفلحت في تربيتنا، وأخي الأكبر قارب 30 عامًا وهو نسخة من أبي، بل أسوأ، ويفعل ما يفعله أبي على مرأى ومسمع منها لإيذائها، وقد أفطر شهر رمضان، وكان ـ والعياذ بالله ـ يزني في نهار رمضان، وليله مع نصرانية، وأبي قارب 60 عامًا، وما زال يستغل الإجازة السنوية للزنا ليلًا ونهارًا، وقد شاهد أبي وهو يقذف المصحف من يد أمي، وشاهد تصويره لبعض النساء، وهو يزني بهن، وشاهده يضرب أمي، فماذا تفعل أمي؟ وهل تهجر أبي، وأخي؟ أم تستمر في دعوتهما للتوبة؟ وهل يجب عليها طلب الطلاق؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذه الأمور التي ذكرتها عن أبيك، وجدك، وأخيك أمور فظيعة، وظلمات بعضها فوق بعض، ومن أخطر ما فيها رمي أبيك المصحف، فإن فعل ذلك قاصدًا إهانته، فتعمد إهانة المصحف كفر، والواجب التوبة منه، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 116650.

فإن لم يتب إلى الله من ذلك يجب على أمك مفارقته، ولا يحل لها البقاء في عصمته، أو تمكينه من نفسها، وانظري الفتوى رقم: 25611.

ولا ريب في أن الزنا ذنب عظيم، ووقوعه من المحصن أعظم جرمًا، وكذلك كونه مع أحد المحارم، فالواجب بذل النصح لأبيك بأن يتقي الله، ويتوب إليه، خاصة أنه قد تقدمت به السن، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم ـ قال أبو معاوية: ولا ينظر إليهم ـ ولهم عذاب أليم، شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر.

وإذا لم يتب أبوك من الزنا فمثله يستحب فراقه، ولا يجب، قال البهوتي الحنبلي: وإذا ترك الزوج حقًّا لله تعالى، فالمرأة في ذلك مثله، فيستحب لها أن تختلع منه، لتركه حقوق الله تعالى. اهـ.

فلا نرى لها أن تبقى في عصمته، ولُينصح أخوك، ويخوَّف بالله تعالى، وليُدْعَ إلى التوبة من هذه الأفعال الشنيعة، فإن تاب إلى الله فذاك، وإلا فليهجر إن رجي أن ينفعه الهجر؛ لأن الهجر تراعى فيه المصلحة، وراجعي الفتوى رقم: 116397.

ويجب عليه مع التوبة قضاء ما أفطره من رمضان.

وما أراده جدك ـ أبو الأب ـ من الإقدام على الزنا بأمك إن صح ذلك، فهو سعي للزنا بالمحارم، فزوجة الابن من المحارم، كما قال تعالى في آية المحرمات من النساء: وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ {النساء:23}، أي زوجات الأبناء، فلينصح أيضًا بالتوبة، وراجعي للمزيد الفتوى رقم: 29514.

وننبه إلى أن المجاهرة بالمعاصي، والمفاخرة بها يعظم بها الإثم، خاصة أنها هنا واقعة بين الأهل والأقارب، والمرجو أن يكون بينهم الحياء، وإذا نزع الحياء، فلا يستغرب من المرء أن يأتي ما يأتي من القبائح؛ ولذا جاء في الحديث عن أبي مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة: إذا لم تستح فاصنع ما شئت.

وفعل أخيك هذه المنكرات على مرأى ومسمع من أمك يؤذيها به فيه عقوق عظيم، وإن بذلت أمك جهدها في سبيل تربية ولدها على الخير، فلا يضرها نشأته على السوء، فلا تهلك نفسها باستعادة الماضي، ولتستشرف المستقبل، وتكثر من الدعاء لابنها بالهداية، فدعوة الوالد لولده مستجابة ـ بإذن الله ـ روى ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعوات يستجاب لهن، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني