الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم طلب الزوجة الطلاق لكثرة حلف الزوج بالطلاق وتعليقه الطلاق على أمور كثيرة

السؤال

عندي مسألة أتمنى التوضيح فيها، بارك الله فيكم.
كثيرا ما كان يحصل خلاف بيني وبين زوجي، وكان يقول إن فعلت كذا، فلن تقري في البيت، أي أني لن أجلس في البيت.
وفي إحدى المرات، رمى سجادتي التي أصلي عليها -أكرمكم الله-في دورة المياه، وكثيرا ما كان يرمي ملابسي؛ فغضبت، ورميت بدلته من النافذة، ولم أكن أعلم أن في داخلها الإقامة. فهددني إن عاد للمنزل ولم أرجعها، لن أجلس في البيت، ولا أذكر هل ذكر كلمة الطلاق أم لا؟
فحاولت إرجاعها، فلم أستطع، حيث إنها في مكان ضيق، وعاد للمنزل، وفي اليوم التالي استطعت إعادتها، وكثيرا ما كان يتكلم بالطلاق، ويقوم بضربي، فقلت له إني سأغلق الباب، فهددني، وحقا أغلقت الباب.
وأيضا أمرني بأن أذهب إلى اليمن، وأن أمكث عند أهله مدة سنة، فرفضت، وقلت أذهب زيارة معه، وأعود معه. فحلف علي بالطلاق، فجلست 7 أشهر، فجاءني، وسافرنا.
ومرة تجادلنا، فقال: اذهبي إلى بيت أهلك، وغدا ستأتيك ورقتك. وأيضا مرة جاء إلى البيت، وقال لي بأن جارنا قال بأني غبية، بسبب أني فتحت الباب لإحدى الأخوات أخبرتني بأنها ضائعة، فقلت: لا أصدق بأن جارنا قال هذا عني؛ لما أعلم عنه، فقال طلاق إنه قال. وبعد بلحظة قال: لا، قال على نياتها.
وفي إحدى المرات، أطفأت التلفاز، وأردت أن آخذ توصيلة الكهرباء لغسل الملابس، فحلف بالطلاق بالثلاث إن أخذتها، أو أنه قال لو لمستها، وأنا لمستها ولم آخذها، وهو كان يقصد بأني لا آخذها، وكذلك أمور كثيرة حلف عليها بالطلاق، وجعلها معلقة، لم أعد أدري ماذا فعلت منها، فأحيانا أكون غاضبة وأنا أقوم ببعض الأمور؛ لأنها أمور منزلية يومية، وأقول: لئن كان قصد الطلاق، فليقع؛ لأني تعبت من هذا الأمر كثيرا، فقد حلف على أمور كثيرة، حتى أشعر بأني أصبحت محاصرة، وكثيرا ما يقول من أجل الأولاد، وإلا لما بقيت في البيت.
وبالنسبة للفظ الذي يتلفظ به، فقد نسيت ما الأمور التي ذكر فيها كلمة الطلاق؟ وما الأمور التي لم يذكرها فيها، واكتفى بأني لن أقر في البيت، يقصد بأني لن أجلس في البيت، وهذه الكلمة كثيرا ما قالها، وقد مرت سنوات، وهو لا يزال يقولها على كثير من الأمور، ففي البعض تلفظ بها بالطلاق، والبعض لم يتلفظ به، ولكن يقول بأني لن أقر في البيت، ولا أدري الأمور المعلقة التي ذكرتها في أعلى السؤال، وحدث خلاف ذلك هل ذكر فيها كلمة الطلاق أم لا؟ عدا ذهابي لليمن، فقد ذكر كلمة الطلاق، فهي كثيرة، ولا أستطيع أن أتذكر، وأميز الأمور التي ذكر فيها كلمة الطلاق، غير التي ذكرت، كما أنه هو أيضا لا يتذكر.
وفي آخر مرة سمعته يحدث صديقه، ويحلف بالطلاق، فقلت له: هل تتكلم بالطلاق مع أصدقائك؟ فقال: أحيانا، يعني بأنه يحلف عليهم بالطلاق. فسألته عن الأمور التي تكلم بها معهم عن الطلاق، فقال بأنه لم يعد يذكر؛ لأنه قد مضت سنون، فأنا الآن أصبحت خائفة، ولم أعد أشعر بالراحة في الجلوس معه، بسبب كثرة الطلاق الذي يتلفظ به، وأنه ما زال يتلفظ به لم يتركه، وأنا لي عدة شهور منعته من نفسي، وطلبت منه بأن ننفصل؛ لأني لم أعد أشعر بالرحة، وأصبح هذا الأمر لا يفارق تفكيري، فأنا خائفة من أن أجلس معه، وقد وقع الطلاق.
أرجو منكم إفادتي، والتوضيح في الإجابة.
وهل يجوز لي أن أطلب منه أن يطلقني طلاقا صريحا؛ لأني لم أعد أشعر بالراحة والأمان، فأنا أخاف أن أكون ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس، فحرام عليها رائحة الجنة " وأنا لم أكن لأطلب منه، لو لم يكن هناك، ما تلفظ به من أمور الطلاق.
أفيدوني جزاكم الله خيرا. وعذرا على الإطالة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالزواج شعيرة من شعائر الإسلام العظيمة، فلعلو قدره، وشرفه، سماه رب العزة والجلال بالميثاق الغليظ، كما في قوله: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا {النساء:21}، وأخبر سبحانه أنه من آياته الدالة على عظمته، حيث قال: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}.

فإن كان زوجك على الحال الذي ذكرت من كثرة التلفظ بالطلاق، فهو مسيء بذلك غاية الإساءة، ومعرض هذا الزواج للوهن.

وقوله لك: إن فعلت كذا، فلن تجلسي في البيت، ونحو هذا من الألفاظ، يعتبر كناية من كنايات الطلاق، وكنايات الطلاق يرجع فيها إلى قصد الزوج. هذا بالإضافة إلى أن الطلاق المعلق، محل خلاف بين الفقهاء، وراجعي الفتوى رقم: 49451، ورقم: 5684.

والحلف بالطلاق، له حكم الطلاق المعلق، وانظري فيه الفتوى رقم: 11592. وطلاق الثلاث، في حكمه أيضا خلاف بين الفقهاء، أوضحناه في الفتوى رقم: 5584.

وكما رأيت، ففي كثير من هذه المسائل يرجع إلى نية الزوج، ومعرفة الحالات التي قد تحقق منك فيها، ما علق عليه الطلاق. هذا بالإضافة إلى الخلاف في هذه المسائل. فهذا يستدعي مراجعة المحكمة الشرعية، أو ما يقوم مقامها كالمراكز الإسلامية في بلاد الغرب، فهي أجدر بالنظر في مثل هذا، وليتسنى للقاضي السماع من الطرفين، وبالإضافة أيضا إلى أن حكم القاضي يرفع الخلاف في مسائل الاجتهاد.

وطلب الطلاق، الأصل فيه الحرمة، إلا إذا كان هنالك مسوغ شرعي، وسبق بيان مسوغات طلب الطلاق، في الفتوى رقم: 37112.

وعلى كل، فإن كنت متضررة من البقاء مع زوجك، فلك الحق في طلب الطلاق، ولكن لو طلقك طلاقا صريحا الآن، فهذا لا يلغي ما يمكن أن يكون قد وقع من طلاق فيما سبق. ونؤكد على أهمية مراجعة القاضي الشرعي، أو من يقوم مقامه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني