الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الرجوع عن الحلف بالطلاق والتكفير عنه

السؤال

لي أخت في غاية الصعوبة، فهي سيئة الظن جدا، وعصبية، وهي أصغر مني، لكنها تتعامل معي بطريقة سيئة للغاية، وبالرغم من هذا تحملت. وكانت عاقة لوالدها لدرجة أنه -رحمه الله- قبل وفاته بأسبوع، جلس يبكي منها ويقول -رحمه الله- كرهتني في البيت، كرهتني في البيت . واستكمالا لعقوقها، تزوجت بعد وفاة والدي وبصعوبة؛ لأنها كانت تتشاجر مع زوجها كثيرا، وبسبب مشاحناتها مع زوجها قبل أن يتم الزواج، خسرت عائلتها قاطبة، بما فيهم أخي، أخوها كان سيضربها على وجهها قبل ليلة فرحها بيوم، لولا تدخلي لتهدئة الأمور. بعد زواجها أصبحت تتشاجر مع زوجها، وبالرغم من توضيحي لها أني لا أريد أن أتدخل، إلا أنها في خلال السنة الأولى من زواجها، تشاجرت أكثر من عشرات المرات حتى تصل الأمور للطلاق. فكنت أضطر للتدخل لتهدئة الوضع، حفاظا على بيتها.
وأخيرا تشاجرت مع زوجها، وتركت المنزل في منتصف الليل، لتطلب مني أن آخذها من الشارع؛ لأنها متشاجرة معه، فحاولت أن أوقظ زوجي لكي يأتي بها، وكان مريضا، ورفض طبعا أن يأتي بها؛ فاتصلت بها، وقلت لها: لا أعرف كيف أتصرف، وسأحاول أن أتصل بأي سيارة أجرة، لكي يأتي بك، ولكنها أغلقت السماعة في وجهي، وهي تقولي: فعلتك السوداء أنت وزوجك. وتشاجرت مع زوجي؛ لأني علمت أنها -للأسف-اتصلت بوالدة صديقة لي، لكي تأخذها من الشارع الساعة الواحدة بالليل؛ مما سبب حرجا شديدا لي. فحلف زوجي علي بالطلاق، أن أختي لن تدخل بيتي، وتحدث زوجي إلى زوج أختي، وقال له إنه يرفض دخول أختي إلى بيته، وذلك نظرا لتاريخ مشاكل أختي. المهم زوجي الآن ندم على ما قال، ويريد أن يكفر عن حلفه. وفي الوقت ذاته، عندما لجأت أختي إلى جارتنا هذه، شعرت هي بالطبع بالحرج، فعندما جاء زوجها ليأخذها، أتت معه دون كلام كثير.
الشاهد في الموضوع، أن أختي عندما لم تجد من يأويها، استسلمت أخيرا؛ لأنها -صدقني- لو كانت عندي، كان من الممكن أن تجلس أسبوعين؛ لكي يصالحها زوجها، أضف إلى ذلك أنه لا يستريح لها بال، ما لم نتحد ضد زوجها، ونقول له أنت خاطئ، حتى لو أني أعلم يقينا أن المشكلة لا تستحق بالمرة كل هذه الزوبعة، ولو لم نقل ما تريد، نجد منها كلاما سيئا بشكل مستمر.
واكتشفت أن بعدي عنها أفضل لها، فهي تسعي الآن لإصلاح الأمور بينها وبين زوجها، وأشعر أنها ربما ستسعى لإصلاح الأمور بينها وبين أقاربنا -فقط لكي تثبت لي أنها لا تحتاج لي- الآن اقتصرت علاقتي بها على رسائل الهاتف، وحاولت أن أكلمها في العيد، لم ترد، فأرسلت إليها رسالة أقول لها "كل سنة وأنت طيبة " ولزوجها أيضا. وحاولت أن أزورها، فرفضت.
هل أنا ملزمة بزيارتها؟
أنا بصراحة تعبت من مشاكلها التي ورطتنا بها، لدرجة أنها كرَّهت الناس فينا جميعا، وأرى أن أقصر علاقتي بها فقط على الرسائل على الهاتف، في المناسبات فقط لا غير. لا أريد زيارتها، ولا أستطيع حتى أن أكلمها، وللعلم حاولت معها كل ما يمكن تخيله من نصيحة بالدين، أيام عقوقها لوالدها، وترغيب في الجنة، والخصام فقط لفترة قصيرة، لا تستمر ثلاثة أيام. الأمر الذي جعلها تعتاد أني دائما من يبدأ بالكلام، وبالتالي لم يعد الأمر يهمها، لأنها تعلم يقينا تديني. وللأسف الشديد ظنت أنها على حق، الأمر الذي جعلها تزيد في ظلمها، وسوء ظنها.
أرجوك هي ظلمتنا كثيرا، وتحملت كلاما كثير لن يكفي الوقت لذكره.
فهل أكتفي فقط بالرسائل لا غير كل عيد، وفي المناسبات خاصة مثل الولادة وغيرها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرت عن أختك هذه جملة من الأمور المنكرة، والتصرفات السيئة - فإن كانت واقعة منها فعلا - فإنها تدل على غفلة في قلبها، ولؤم، وجفاء في طبعها.

ومن أخطر هذه المنكرات: عقوقها لوالدها، ولا يخفى أن العقوق كبيرة من كبائر الذنوب، وجريمة قد يدرك المرء سوء عاقبتها في الدنيا والآخرة، ويمكن مطالعة ما يتعلق به من نصوص الوعيد في الفتوى رقم: 17754.

فالواجب عليها أن تتوب إلى الله توبة نصوحا من هذه المنكرات، وينبغي أن تكثر من عمل الصالحات، والدعاء لوالدها بخير، عسى الله عز وجل أن يرضيه عنها يوم القيامة. ولمعرفة ما يبر به الوالد بعد موته، راجعي الفتوى رقم: 25972.

وينبغي الاستمرار في نصحها بالحكمة، والموعظة الحسنة، وأن يسلط عليها من يرجى أن تقبل نصحه، هذا مع الدعاء لها أن يصلح الله حالها، ويردها إلى جادة الصواب، فالدعاء من أفضل وسائل تحقيق المطلوب؛ قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، ولمزيد الفائدة نرجو مطالعة الفتوى رقم: 119608.

ولا شك في أن الأخت من الرحم التي تجب صلتها، ويحرم قطعها، وتجب الصلة بما هو ممكن من الزيارة، والاتصال، والإهداء، وتفقد الأحوال ونحو ذلك، فالمرجع في الصلة إلى العرف، وأدنى الصلة ترك المهاجرة، والصلة بالكلام ولو بالسلام، وراجعي للمزيد الفتوى رقم: 290314.

فإن جرى العرف بأن ترك زيارة الأخت، لا ينافي الصلة، فلا بأس بترك زيارتها، وإلا، فلا. ولكن لو تركت زيارتها لمصلحة راجحة، كاتقاء شرها، فلا بأس بذلك. هذا بالإضافة إلى أنها إذا تمادت في غيها، فلا حرج في هجرها إن رجوت في ذلك مصلحة، وانظري الفتوى رقم: 21837.

وإذا بدا منها رغبة في مصالحة زوجها، أو مصالحتكم أنتم، فينبغي السعي في ذك عن طريق من يرجى أن يتحقق منه ذلك، وأمر النيات إلى الله، فلا يجوز اتهامها بأنها تريد بإظهار طلب الصلح، إبداء استغنائها عنك، ونحو ذلك، فالله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ...الآية{الحجرات:12}.

وأما الرجوع عن الطلاق المعلق، فلا يمكن في قول الجمهور، وراجعي الفتوى رقم: 73870.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني