الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التحسين والتصحيح بكثرة طرق الحديث.. بين الاعتبار وعدمه

السؤال

الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ حسن حديثا بمجموع الطرق في حين أن من ضعفوا الحديث كثيرون، فهل مجموع هذه الطرق حجة قوية رغم تضعيف علماء للحديث الذي يتم تحسينه بمجموع الطرق؟ وكيف يتم ذلك والحديث أصلا تم تضعيفه؟ وما هي الشروط لرفع مرتبة الحديث من ضعيف إلى حسن بمجموع الطرق؟ وهل هذه الشروط انفرد بها الشيخ؟ وما مدى كونها معتبرة عند أهل الحديث؟ وهل من الممكن أن يترقى الضعيف لمرتبة الصحيح بمجموع الطرق؟ غفر الله لكم، وكل عام وأنتم بخير وإلى الله أقرب.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن أسباب القدح في الرواة تنقسم إلى نوعين:
ـ الأول: ما يقدح في العدالة، كالكذب أو التهمة به أو الفسق.
والثاني: ما يقدح في الحفظ والضبط والاتصال، كالغفلة والغلط وسوء الحفظ والاختلاط والوهم.
فإذا كان الضعف بسبب النوع الأول، فلا تؤثر فيه كثرة الطرق وتعدد المخارج، وأما إذا كان من النوع الثاني فكثرة الطرق تقويه، ويجبر ضعفه بمجيئه من وجه آخر، وهو ما يعرف بالحديث الحسن لغيره، قال النووي في التقريب: إذا روي الحديث من وجوه ضعيفة لا يلزم أن يحصل من مجموعها حسن، بل ما كان ضعفه لضعف حفظ راويه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجه آخر وصار حسنا، وكذا إذا كان ضعفها لإرسال زال بمجيئه من وجه آخر، وأما الضعيف لفسق الراوي: فلا يؤثر فيه موافقة غيره. اهـ.

فهذا هو أصل المسألة، ومع كثرة الطرق وقرب ضعفها ويسره، يمكن أن يرتقي الحديث إلى درجة الصحة إذا حصلت الطمأنينة إلى ثبوته، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قد يكون الرجل عندهم ضعيفا لكثرة الغلط في حديثه، ويكون حديثه الغالب عليه الصحة لأجل الاعتبار به والاعتضاد به، فإن تعدد الطرق وكثرتها يقوي بعضها بعضا حتى قد يحصل العلم بها ولو كان الناقلون فجارا فساقا، فكيف إذا كانوا علماء عدولا، ولكن كثر في حديثهم الغلط، ومثل هذا عبد الله بن لهيعة، فإنه من أكابر علماء المسلمين وكان قاضيا بمصر كثير الحديث، لكن احترقت كتبه فصار يحدث من حفظه فوقع في حديثه غلط كثير، مع أن الغالب على حديثه الصحة، قال أحمد: قد أكتب حديث الرجل للاعتبار به، مثل ابن لهيعة، وأما من عرف منه أنه يتعمد الكذب: فمنهم من لا يروي عن هذا شيئا، وهذه طريقة أحمد بن حنبل وغيره، لم يرو في مسنده عمن يعرف أنه يتعمد الكذب، لكن يروي عمن عرف منه الغلط للاعتبار به والاعتضاد. اهـ.

وقال ابن كثير في الباعث الحثيث: قال الشيخ أبو عمر ـ يعني ابن الصلاح: لا يلزم من ورود الحديث من طرق متعددة.. أن يكون حسناً، لأن الضعف يتفاوت، فمنه ما لا يزول بالمتابعات، يعني لا يؤثر كونه تابعاً أو متبوعاً، كرواية الكذابين والمتروكين، ومنه ضعف يزول بالمتابعة، كما إذا كان راويه سيء الحفظ، أو روى الحديث مرسلا، فإن المتابعة تنفع حينئذ فيرفع الحديث عن حضيض الضعف إلى أوج الحسن أو الصحة. اهـ.

وتفصيل هذه المسألة يجده السائل في مبحث الحديث الحسن من كتب المصطلح، وبعضهم يوردها في مبحث الحديث الضعيف، ويبقى أن التحسين أو التصحيح بكثرة الطرق مجال فسيح للاجتهاد، بحسب اختلاف أهل العلم في نقد الرواة ومروياتهم، وراجع لمزيد الفائدة عن ذلك الفتوى رقم: 135189.
وبخصوص منهج الشيخ الألباني في التحسين وفي الحكم على الأحاديث بصفة عامة، وموازنة ذلك بمنهج المتقدمين من أئمة الحديث، راجع الفتوى رقم: 232957.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني