الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

نشكركم على جهودكم وعلى هذا الموقع، نفعنا الله وإياكم، وجزاكم عنا خير الجزاء، وأرجو أن تجيبوني على حالتي، والتي أوضحها في النقاط التالية:
أنا متزوج منذ ست سنوات وحدث معي الآتي:
1- قمت بطلاق زوجتي بعد الزواج بسنة تقريبًا وقلت: "أنت طالق" وغالبًا لم أكن أقصد الطلاق، وكان ذلك في ساعة غضب، فما حكم ذلك؟
2- في مرة ثانية وكنت قد سافرت إلى السعودية وهي بمصر، فقد هددتها أو أقسمت عليها في مكالمة هاتفية قائلًا: "والله إن لفيتي ودرتي علي
(بمعنى أن تخفي علي شيئًا لتخدعني أو ما شابه) سأطلقك أو ستصبحين طالقًا أو تبقي طالقًا" ولا أتذكر اللفظ، فهذا منذ سنتين ونصف تقريبًا. علمًا أني سألت زوجتي إن كانت تتذكر ما قلت، فقالت أنها لا تتذكر اللفظ، ولكن تتذكر أنه كان تهديدًا بالطلاق، وذلك بسبب مشكلة بيننا جعلتني أشك في كلامها معي وإحساسي أنها تخفي شيئًا وتخدعني. علمًا أني علمت بعدها أنها كانت لا تخفي شيئًا، وإنما كانت لا تريد إزعاجي بمشكلة مع أهلها التي كانت تقيم معهم، وليس في الأمر أي مخادعة لي. ولا أتذكر نيتي وقتها هل التهديد أم الطلاق، فما حكم ذلك إذا فعلت الشرط؟ علمًا بأن الشرط معقد، ومن الصعب تحديد إن كانت فعلته أم لا في حياتنا منذ هذا القسم وحتى الآن، وعلمًا بأني سألتها إن كانت قد خدعتني في شيء منذ ذلك القسم، فقالت إنها لم تخدعني إطلاقًا، ولكن فهمها للفظ القسم (اللف والدوران) ينحصر فقط في أن تكون على علاقة بأحد، وأن تكون تخدعني من هذا الطريق، كما أنها كانت غير واعية أن هناك طلاقًا معلقًا خلال الفترة الماضية، وكانت تعتبره تهديدًا فقط.
وما الحكم إذا فعلت ما يوقع الطلاق عن نسيان أو جهل بمعنى اليمين أو فعلت مستقبلًا ما يدخل ضمن اليمين ظنًّا منها أن فعلها ليس من اللف والدوران الوارد في يميني؟
وما الحكم إذا كان قد وقع هذا الطلاق خلال فترة وجودها بمصر وأنا بالسعودية (قبل حضورها للسعودية) ولم تحدث المراجعة بالكلام والجماع لعدم معرفتي بوقوعه، كما أنني لا أستطيع أن أحدد موعد حدوث الطلاق؟
3- بدأت أبحث في أمور الطلاق وأحكامه منذ أسبوع، وعلمت بالصدفة عن طلاق الكناية، وتذكرت بأني أحيانًا في شجاري معها خلال مدة زواجنا كنت أتفوه بكلام من قبيل الغضب والتهديد وإنهاء العلاقة والتوبيخ، لكن لا أتذكر أني نطقت بلفظ الطلاق إلا في المرتين الموضحتين أعلاه، ولم يكن في نيتي غالبًا في أي كلام أثناء الشجار إيقاع الطلاق وقصده، فلم أكن أعلم أساسًا بأن الطلاق قد يقع بالكناية بألفاظ مشابهة مع النية. وبالتالي؛ فأنا غالبًا لم أقصد بكلامي طلاقًا، فما حكم ذلك؟
كما أن زوجتي قالت إني في إحدى المرات أقسمت عليها بعد شجار بيننا أنها إذا خرجت من البيت في ذلك الوقت تكون طالقًا أو سأطلقها ولا ترجع البيت ثانية، وقالت إنها لم تخرج ونفذت كلامي وأطاعتني وقتها، ولكني لا أتذكر هذه الواقعة، فما حكم ذلك؟
أرجو سعة صدركم في الرد على ما سبق، مع العلم أني أحب زوجتي، ولي منها طفلة عمرها خمس سنوات، وأنا إنسان سريع الغضب، وبي شيء من الوسوسة والقلق الدائم، ولا أستطيع أن أحدد نيتي في كثير من الأمور، وموضوع الطلاق هذا سيطر على عقلي، فلا تكاد تمضي ساعة إلا وأنا أفكر فيه أو أقرأ عنه منذ أسبوع تقريبًا، وأحاول جاهدًا التغلب على هذه الأمور، والتقرب من الله أكثر بالعبادات والدعاء والاستغفار، والله المستعان.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فسنجيب على هذه الأسئلة التي أوردتها في النقاط التالية:

النقطة الأولى: قول الزوج لزوجته: "أنت طالق" لفظ صريح في الطلاق، ومثل هذا النوع من الألفاظ يقع به الطلاق نوى الزوج إيقاعه به أم لا، وقد ضمّنّا الفتوى رقم: 52232 كلام أهل العلم بهذا الخصوص؛ فراجعها.

النقطة الثانية: الطلاق المعلق يقع به الطلاق بحصول المعلق عليه على المعنى الذي أراده الزوج، قصد الزوج الطلاق أو قصد التهديد، هذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، والمسألة محل خلاف بيّنّاه في الفتوى رقم 5684. وعلم الزوج بفعل الزوجة لما علق عليه طلاقها أو عدم علمه سواء، فإن ذلك لا اعتبار له؛ فيقع الطلاق، وإن لم يراجعها حتى انقضت العدة فقد بانت منه. وإن لم تفعل الزوجة ما علق عليه الزوج طلاقها لم يقع الطلاق، وإن شك في اللفظ الذي تلفظ به إن كان يتضمن الوعد أو غيره فالأصل بقاء النكاح؛ فاليقين لا يزول بالشك.

النقطة الثالثة: إذا فعلت الزوجة ما علق عليه الزوج طلاقها ناسية أو جاهلة، وكانت ممن يبالي بهذا التعليق، بمعنى أنها حريصة على عدم تحنيث زوجها، فلا يقع الطلاق في هذه الحالة في قول بعض الفقهاء. وانظر الفتوى رقم: 52979.

النقطة الرابعة: طلاق الكناية لا يقع به الطلاق إلا مع النية، كما سبق وأن أوضحنا في الفتوى رقم: 78889؛ فمن تلفظ بشيء من هذه الألفاظ لا ينوي بها الطلاق لم يقع طلاقه.

النقطة الخامسة: على تقدير وقوع الطلاق في أي حالة من الحالات السابقة؛ فإن الغضب لا يمنع وقوعه إلا إذا فقد صاحبه وعيه، وتلفظ عندها بالطلاق، وراجع الفتوى رقم: 35727. والوساوس في الطلاق لا يلتفت إليها، فمن تلفظ بالطلاق بدافع الوسوسة لم يقع طلاقه كما هو مبين في الفتوى رقم: 102665. ولمعرفة كيفية علاج الوساوس راجع الفتوى رقم: 3086.

ومن خلال ما أوردنا من مسائل يتبين لك وقوع الطلاق من عدمه، وإن لم يتبين لك ذلك فالأولى أن تشافه بسؤالك أحد العلماء الثقات عندكم.

وننبه إلى الحذر من التساهل في أمر الطلاق، ولا سيما إن كان الزوجان في بداية مشوار الحياة الزوجية، ورزق الزوجان الأولاد، فتشتيت شمل الأسرة له آثاره السيئة على الأطفال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني