الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نسبة الظلم إلى الله تعالى كفر

السؤال

أرجو منكم أن تقدموا لي حكم الشخص في الحالات التالية:
- اعتقاد الشخص أن الله ظالم (في نفسه).
- اعتقاده أن اللواط حلال في الجنة.
وهل تعد هذه من أسباب الردة؟
كما أنه أصبحت تأتيني رغمًا عني أفكار كفرية، وأصبحت أشك في صحة عباداتي، فهل أنا الآن كافر؟ وإن أسلمت مجددًا، فهل آخذ حكم الكافر الذي أسلم (يعني: هل يغفر الله لي هذا الذنب؟)؟ أرجو منكم أن تعطوني الحل، وطمئنوني على ديني؛ لأني لا أستطيع فعل أي شيء بسبب هذا الموضوع، وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن هذه الأفكار إن كانت ترد على خاطرك رغمًا عنك، فلا إثم عليك -إن شاء الله تعالى- فيها، ولا يحصل بها الكفر، وإنما هي وساوس من الشيطان؛ ليشغل قلبك، وتفكيرك بمثل هذه الأمور، فعليك أن تحرص على الابتعاد عنها، وعدم الاسترسال فيها.

واعلم أن من الخطأ العظيم الخطير نسبة الظلم إلى الله تعالى؛ فالله تعالى لا يظلم عباده, كما قال تعالى: إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ {النساء:40}, وقال تعالى: إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا {يونس:44}, وفي الحديث القدسي: يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي, وجعلته بينكم محرمًا؛ فلا تظالموا. رواه مسلم.

ونسبة الظلم إلى الله تعالى سبّ له سبحانه, ولا ريب أن سبّ الرب جل جلاله كفر؛ وفي فتاوى اللجنة الدائمة: نسبة الظلم إلى الله مسبة، وانتقاص لله تعالى، فإن الله قد نفى الظلم عن نفسه في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا؛ فلا تظالموا. وقضاء الله، وقدره مبني على كمال حكمته، وعدله، ورحمته، وعلمه، وابتلاء بعض عباده بفقد الأولاد، أو نقص في الأموال، أو مرض في الأبدان -إنما هو ابتلاء وامتحان منه سبحانه؛ ليتبين من كان صابرًا راضيًا بقضائه وقدره ممن كان جزوعًا متسخطًا، قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ. ثم وعد الصابرين بقوله: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ. فيجب على المسلم أن يكون معظمًا لله منزهًا له عن كل ما لا يليق به، موقنًا بأنه حكيم عليم، يضع الأشياء في مواضعها {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}. ومن نسب الظلم إلى الله فيما يقضيه الله ويقدره على العبد، واعتقد ذلك -فهو كافر كفرًا ينقل عن الملة؛ لكونه مكذبًا لله فيما أخبر به من نفي الظلم عن نفسه، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا. اهـ.

وأما عن اللواط: فإنا لم نطلع بعد البحث على من كفّر من يعتقد إباحته في الجنة، وقد ذكرنا لك في جواب سؤالك رقم: 290428 كلام أهل العلم في عدم وجوده بالجنة.

واعلم بأن باب التوبة مفتوح للعباد دائمًا؛ وذلك شامل للكفر، وغيره؛ لقوله تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة:39}, وقوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام:54}، وقوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ {الأنفال:38}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني