الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجوب بر الوالدين وإن صدرت منهما إساءة

السؤال

أبي وأمي مطلقان منذ حوالي 9 سنوات, وأنا ذكر ولي أختان أصغر مني, ثم جرت بينهم الأحداث فأدى ذلك أن عشنا معه التسع السنوات، حرمنا فيها من رؤية أمّنا, وفي آخر 3 سنوات تزوج امرأة كانت تعاملنا بقسوة، خصوصًا أخواتي, هذا غير الإهانات وإهانة أمّنا، ففاض بي وبأخواتي الكيل، فتصديت لها ولأبي لرفع الظلم عن أخواتي, وطالبناه بأن نذهب لأمّنا, فعاند وقال: ""إن ذهبتم لأمّكم لن أعطي لكم مليمًا من المال, وليس لي أبناء، وانسوا أن لكم أبًا". فوافقنا لما كانت عليه حالتنا النفسية, ثم ذهبنا لأمي منذ عام ونصف، وهي تقوم بالآتي:
1- تتولى المصاريف الخاصة بي وبأخواتي كاملة.
2- كانت تحثنا على صلة أبينا مع الرغم أنه منعنا عنها 8 سنوات.
3- تعطينا المال لنذهب إليه ونزوره (غالبًا أسبوعيًّا ما لم يفتعل مشاكل بحجة أننا نسينا فضله وتركناه, فهو لا يريد أن يعترف بظلم وقسوة زوجته, ولم يبدأ أن يقتنع إلا مؤخرًا).
المهم: وصلناه بعد ما قطعنا، وبذلنا في ذلك جهدًا لله بالرغم من تمنعه وإهاناته وما إلى ذلك, وبعد شهرين تقريبًا من ذهابنا لأمّنا كنا نزوره بانتظام محاولين استرضاءه، وكنا نعامل زوجته معاملة حسنة لكي يظل سعيدًا, ولكنها استمرت في افتعال المشاكل وبث الكراهية فيه من ناحيتنا بطريق غير مباشر, فصبرنا على ذلك كله في سبيل الله، واستمررنا في وصلهم بالمعروف, ومنذ 3 أيام كنا عنده نقيم فترة لكي نحضر معه أول رمضان, فلاحظنا أن زوجته منتفخة البطن, وشعرنا بأنها حامل, وأخذ يحدثنا كيف ستعاملون أخًا لكم من زوجة أبيكم؟ قلنا له: "بشرع الله". ولكنه أخفى عنا أمر حمل زوجته, وعندما سألناها كذبت وقالت أن بطنها منتفخة من المياه, مع العلم أنها حاولت أكثر من مرة أن تحمل وفشلت بالوسائل الحديثة كالحقن وغيره, ثم فوجئت به صباح اليوم يطلب مني أن أذهب إليه في البيت، فوافقت وأنا أعلم أنه غالبًا سيفاجئني بخبر قدوم أخ أو أخت لي من زوجته بعد ما أخفى عنا طوال فترة حملها.
أرجوكم أجيبوني عن الآتي:
1- هل أنا عاقّ لوالدي؟
2- هل والدي عقّني؟
3- هل يجوز له إخفاء أمر حمل زوجته عنا طوال فترة حملها؟
4- الآن أنا غاضب وحزين لأمر إخفائه قدوم مولود له من زوجته مع معرفة ناس غيرنا كأهلها للأمر، فهل يجوز لي أن أغضب؟ وكيف أتصرف؟
5- أخواتي في قمة الحزن والغضب منه لأنهم يرون أنه عاملنا كأننا ليس لنا قدر في حياته، وأخبر الغريب ولم يخبرنا, فكيف أتصرف معهم؟
6- هل يفترض أن تكون تصرفاتي طبيعية بعد كل ما مررت به؟
7- كنت قد حاججت أبي وعلا صوتي أحيانًا أمامه، فهل أكون عاقًّا؟ مع العلم أني لا أقصد ذلك، ولكنه بسبب كل ما مررت وشعرت به في حياتي وبسبب ظلمه إيانا.
أرجوكم التفضل بالإجابة مشكورين، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه التصرفات إن كانت قد صدرت من أبيكم فلا شك في أنه قد أساء بذلك، وليس من حقه أن يمنعكم صلة أمّكم، ولا تجب طاعته في ذلك؛ لأن هذا من قطيعة الرحم، وقطيعتها إثم عظيم وكبيرة من كبائر الذنوب ورد بشأن ذلك نصوص من الكتاب والسنة يمكن مطالعة بعضها في الفتوى رقم: 13912.

وقد أحسنتم بحرصكم على صلة أبيكم مع ما حصل منه، فهو يظل أبًا ولو قصر في حق أولاده، فذلك لا يسقط وجوب برّه عليهم، وسبق أن نبهنا على ذلك في الفتوى رقم: 293539. ولا يبدو فيما ذكرت أنه قد صدر منك عقوق تجاهه إلا في الحالة التي قلت فيها إنك رفعت صوتك عليه، فهذا من العقوق، ويتنافى مع قول الله -عز وجل-: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا {الإسراء:23}، وقد جاء النهي عن السلف عن مجادلة الأب ومغالبته بالحجة؛ ففي كتاب بر الوالدين لابن الجوزي قوله: وقال يزيد بن أبي حبيب: (إيجاب الحجة على الوالدين عقوق). يعني الانتصار عليهما في الكلام. اهـ.
فتُبْ إلى الله -عز وجل- توبة نصوحًا، واستسمح أباك في ذلك، وراجع شروط التوبة في الفتوى رقم: 29785.

ومنع أبيكم إياكم من رؤية أمّكم طيلة هذه المدة نوع من التقصير في حقكم، وقد يكون مثل هذا من عقوق الآباء للأبناء، كما في قصة عمر -رضي الله عنه- التي أوردها أبو الليث السمرقندي أنه قال لذلك الرجل: "تقول ابني يعقني! فقد عققته قبل أن يعقك"، وتجد القصة كاملة في الفتوى رقم: 190121.

وإن صح ما ذكرتم من أن زوجته الثانية تفتعل المشاكل بينكم وبين أبيكم فإنها مسيئة أيضًا، والسعي في التفريق بين الأحبة من عمل شياطين الإنس والجن. وتفويت الفرصة على الشياطين في هذه الحالة هو عين الصواب، ومن الحكمة وكمال العقل.

وأمر هذا الحمل الذي في بطن زوجته الثانية أهون من أن يكون مثارًا للخلاف بينكم وبين أبيكم، فهو أولًا ليس ملزمًا شرعًا بأن يخبركم بأمره، ولو فعل ربما كان أفضل، فنحسب أن كمال عقلكم يقتضي أن لا تجعلوا هذا الأمر مثارًا للخلاف معه، فربما استغل الشيطان ذلك وتطور الأمر إلى ما لا تحمد عقباه، فانصرفوا عن هذا راشدين إلى ما ينفعكم من أمر دينكم ودنياكم، واعملوا على ما يقوي الصلة بينكم وبين أبيكم، وأكثروا من دعاء الله -عز وجل- وسؤاله التوفيق في ذلك كله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني