الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم طلب الطلاق من الزوج سيئ العشرة

السؤال

أنا زوجي عصبي، ودائمًا ما يغضب على أبسط الأمور، ويكسر الأشياء، ودائمًا ما ينفعل حتى أمام بنتنا، وهي تخاف كثيرًا، وهي عندها سنة ونصف، ولكنها تفهم وتخاف بشدة، ويحلف بالطلاق في غضبه، ويخطئ ويسب أحيانًا، فكنت دائمًا أسكت لعدم زيادة انفعالي أمام ابنتي، وأحيانًا أصالحه لأنه طيب ومعدنه طيب، ولكن لا أعرف لماذا الشيطان يتملك منه لهذه الدرجة على الرغم من أنه يصلي! ولكن هو لا يعتذر أبدًا؛ فاليوم عند ما حلف بالطلاق وقال كلامًا جارحًا، قلت له: "طلقني طالما الطلاق لعبة في يديك ". فقال: "لن أطلق، وإذا أعجبك". فطلبت والدتي وقلت لها: "أريد الطلاق". فكلمته، فقال إنه أخطأ، وجاء لاعتذاري ولكن بدون نفس، فغضبت أكثر، وتركني ونزل، ولكنه الآن انفعل ثانية.
أنا تعبت ولا أعرف ماذا أفعل؟ أخاف أن يصل إلى أن يؤذيني أنا وابنتي.
وللمعلومة: والدته ووالده متوفيان، وأخته قاسية، ودائمًا يساعدوه أنه يبقي هكذا إلا أخًا له، وإنه لا يكترث بأهلي رغم أنهم أهله؛ لأنه قريبي.
أريد حلًّا بسرعة هل أطلق أم أصبر؟ ولكن إلى متى؟ وهو هكذا دائمًا ولا سبيل لإصلاحه، وأيضًا طلاقي منه لن يكون بالسهل، وأخاف أن لا أقدر عليه.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فزوجك هذا -إن كان هذا حاله- فهو مسيء للعشرة، وربه سبحانه يأمره بحسن عشرتك، كما قال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}. وقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بحسن صحبة الزوجات فقال: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي". رواه الترمذي عن عائشة -رضي الله عنها-، وابن ماجه عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.

وقد أحسنت بصبرك عليه، ونوصيك بكثرة الدعاء له بأن يحسن الله أخلاقه، ويرزقه الحلم والصبر؛ فالدعاء من أهم ما يُحقَّق به المبتغى ويُدفَع به المكروه، وقد أحسنت بعدم التعجل إلى الطلاق؛ فليس الطلاق بأول الحلول، بل قد يكون الحل في غيره.

وقد ندب الله تعالى إلى الإصلاح حيث قال: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا {النساء:128}.

ثم إذا استحالت العشرة، وضاق الحال، وكان عيش المرأة مع زوجها في نكد وسوء حال لا يحتمل، فقد يكون الأفضل في حقها طلب الطلاق؛ قال ابن قدامة في المغني: فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررًا مجردًا، بإلزام الزوج النفقة، والسكنى، وحبس المرأة مع سوء العشرة، والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح؛ لتزول المفسدة الحاصلة منه. اهـ.

وبعد الفراق يمكن أن يكون كل من الزوجين في سعة وصلاح حال، قال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}. قال القرطبي عند تفسيره هذه الآية: أي: وإن لم يصطلحا، بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله؛ فقد يقيّض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني