الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ماذا يفعل المستفتي إذا اختلفت عليه الفتاوى

السؤال

أنا سيدة متزوجة منذ 15عامًا، عندي 5 أولاد وبنات.
في بداية زواجي طلقني زوجي طلاقًا معلقًا بنية الطلاق الفعلي، لكني ظننته يهدد فقط أو يمزح، وفعلت عكس ما أراد، وما كان إلا أنه بالفعل حسبت طلقة، وراجعني فعلًا، هذه الأولى، ولا نذكر حقيقة هل كانت في طهر أم في حيض.
و بعد 11 عامًا في شهر فبراير الماضي نتيجة بعض المشاكل كان قد غضب مني، وشتمني بأهلي، فقلت له: "لماذا تشتمني؟ ما دامت وصلت الأمور لهذا الحد فطلقني أكرم". وحاول الابتعاد لكني أصررت، فقال لي: "سأضربك أولًا ثم أطلقك". وأخذ يهينني، وبالفعل حاول ضربي لكني هددته إن حاول ضربي سأتصل بالشرطة؛ لأني في غربة معه منذ خمس سنوات، فهمّ بضربي فعلًا ورماني أرضًا، وقال: أنت طالق، استرحتِ، أنت طالق، أنت طالق". وصمتنا وخرجت للغرفة الأخرى.
وفي الصباح في نفس البيت كتبت له: "أنت أصبحت محرمًا عليّ لأنك طلقتني ثلاثًا وقبلها واحدة". وللعلم كانت الثانية هذه في طهر مسني فيه، لكنه قال إنها واحدة لأنها في مجلس واحد.
وبعد عشرة أيام راجعني مرغمة لأجل الأولاد.
بعدها بشهرين حدثت مشاكل كبيرة جدا لم أحتمل معها كثرة الإهمال، والصمت منه، ووحدتي في غربتي بعيدًا عن أهلي، فقلت له: "لا أستطيع أن أكمل معك، أرجوك طلقني، أنا تعبت". فصمت، وقال: "ربما تكون هذه الثالثة". قلت له: "أنا زواجي منك كعدمه إذ إني معك وحيدة بلا سند ولا زوج، أرجوك طلقني". فقال: اسمحي لي طيب أقترب منك". فقلت: "لا، هذا يكفي". لكنه اقترب من أذني وقال: "أنا أحبك، لكن لأجل طلبك أنت طالج". وخرج، أنا ظننت وقوع الطلاق لأني لم أسمع الحرف الأخير، خيّل لي أنه لفظها، وبالفعل بدأت التعامل على أنه غريب عني، وأنه مجرد أب لأولادي، ففوجئت به بعد أسبوع يراودني ويحاول إضعافي بالألفاظ والإيماءات والحركات، فقلت له: "اتق الله" وصرخت فيه، وقلت له: "ألم تطلقني وأصبحت محرمة عليك؟!" قال: "بلى". فقلت: "إذًا لم تفعل هذا بي؟" فقال: "آسف".
وبعدها بيومين حاول أيضًا فقلت له: "سأخرج من البيت إن لم تنته". ووقتها قال: "أنا لم أطلقك أنا لست مجنونًا لأهد البيت، هذه الثالثة، أنا قلت: أنت طالج ليس طالق حتى أوهمك وأعيشك أننا انفصلنا، وأرَ رد فعلك، ولم أنو أبدًا الطلاق". قلت له: "أنت تكذب أو تخدعني". قال: "والله العظيم لا هذه ولا تلك، أنا كنت أحل مشكلة، وهداني تفكيري لهذا". قلت له: "لن تقربني حتى نستفتي". وبالفعل سألت كثيرًا، منهم من قال: "بينونة كبرى". وآخرون قالوا: "لا، الثانية بدعي، والثالثة لم يتفق فيها اللفظ ولو ينو الزوج الطلاق، إذًا ما زال الزواج قائمًا".
أرجوكم رأسي ستنفجر، ما هو الصحيح؟ أريد أن أعرف هل أنا زوجته أم لا؟
وجزاكم الله خيرًا، ووفقكم لما فيه الخير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلمي أن من أكثر ما يدخل الحيرة والاضطراب على المستفتي كثرة تنقله بين المفتين، فلا ينبغي له أن يفعل ذلك، بل يحرم مثل هذا التصرف إن كان لغرض الرخصة، كما سبق وأن بيّنّا في الفتوى رقم: 134759.

وفرض العامي سؤال أهل العلم؛ قال القرطبي: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها لعدم أهليته فيما لا يعلمه من أمر دينه ويحتاج إليه: أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده، فيسأله عن نازلته، فيمتثل فيها فتواه؛ لقوله تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه، حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس. اهـ. فحسبه إذا سأل من يثق به أن يأخذ بقوله؛ لأنه قد أدى ما عليه.

وحيثيات ما حدث وذكرته في سؤالك تتضمن أمورًا يرجع فيها إلى الزوج لمعرفة قصده عند تلفظه بالطلاق، فلا تفيد فتوانا في هذا الأمر، ولا نستطيع أن نتبين ما إذا كنت لا تزالين في عصمة زوجك أم أنك قد بنتِ منه.

فنصيحتنا: أن يراجع زوجك المحكمة الشرعية أو يشافه عالمًا موثوقًا به، فيحكي له بصدق حقيقة ما حدث ويعمل بفتواه، وإذا كنتم في السعودية فالعلماء هنالك متوافرون.

وننبه إلى خطورة أن يصل الشقاق بين الزوجين إلى هذا الحد، فإن من أهم مقاصد الإسلام في تشريع الزواج أن تكون الأسرة بيئة صالحة يجد الزوجان والأولاد فيها الاستقرار والسكن النفسي، كما قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}، وإنما يكون ذلك حين يسود بين الزوجين الاحترام المتبادل، ويؤدي كل منهما ما للآخر عليه من حقوق، وراجعي الفتوى رقم: 27662.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني