الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حديث المسيء صلاته عمدة في إثبات أركان الصلاة وفرائضها

السؤال

في موضوع كيفية معرفة (واجبات الصلاة من سننها) ما فهمته -والله تعالى أعلم- هو أن الفقهاء ذهبوا إلى أن ما ورد في حديث المسيء صلاته فهو واجب، وما عداه فهو سنة، إلا ما دل على وجوبه دليل آخر، فهل ما فهمته صحيح؟ وإذا سرنا على هذه القاعدة فهل كل ما يرد الأمر به فهو واجب، وكل ما يرد النهي عنه فهو حرام في الصلاة؟ ولماذا كان التأمين سنة (على قول كثير من الفقهاء)، وليس بواجب رغم ورود الأمر به في دليل آخر، ورغم أن الحنابلة أوجبوا التحميد، وهو يشبهه في الأمر به على ما فهمت؟ وهل يمكننا الاحتجاج بحديث المسيء في صرفها إلى الاستحباب مرة أخرى، رغم أننا قلنا بوجوب ما دل على وجوبه دليل آخر غير حديث المسيء؟ وما الصارف إلى الاستحباب؟
أرجو سرد أي خلاف -إن وجد- وآراء العلماء بأدلتها -ما أمكن-. وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا شك أن حديث المسيء صلاته يعتبر أصلًا وعمدة في إثبات أركان الصلاة وفرائضها، بل ذهب بعض أهل العلم إلى أن ما ورد فيه فهو واجب، وما عداه فهو مندوب، يقول الشيخ سلمان العودة في شرح بلوغ المرام: يعتبر حديث المسيء صلاته من أهم الأحاديث المبينة لكيفية الصلاة، بل ذكر ابن دقيق العيد، وتابعه غيره على أن هذا الحديث يعتبر عمدة في بيان واجبات وأركان الصلاة، فما ذكر فيه فهو واجب، وما لم يذكر فهو مندوب. اهـ.

وما فهمه السائل صحيح موافق لرأي بعض أهل العلم، كما هو مبين في الفتوى رقم: 223747، والفتوى رقم: 134277.

لكن القاعدة التي حاول تقعيدها وترتيبها على المقدمة، وهي أن كل ما يرد الأمر به فهو واجب، وكل ما يرد النهي عنه فهو حرام في الصلاة ليست على إطلاقها، فليس كل أمر يدل على الوجوب، وليس كل نهي يدل على التحريم، وإن كان هذا هو الأصل؛ فقد ينتقل الأمر للاستحباب ـ مثلًا ـ إذا وجد دليل، أو قرينة على أنه أريد به ذلك, وينتقل النهي للكراهة إذا وجد دليل، أو قرينة تدل على أنه أريد به الكراهة، وراجع للتفصيل الفتوى رقم: 238396.

ومن هنا حمل كثير من الفقهاء الأمر بالتأمين على الاستحباب، خلافًا لمن قال بوجوبه، كالظاهرية، وحملوا كذلك الأمر بالتحميد على الاستحباب خلافًا لمن أوجبه، كالحنابلة، جاء فتح الباري لابن حجر: ثم إن هذا الأمر عند الجمهور للندب، وحكى ابن بزيزة عن بعض أهل العلم وجوبه على المأموم عملًا بظاهر الأمر، قال: وأوجبه الظاهرية على كل مصل. اهـ.

وفي سبل السلام: وقد حمله الجمهور من القائلين به على الندب، وعن بعض أهل الظاهر أنه للوجوب، عملًا بظاهر الأمر، فأوجبوه على كل مصل. اهـ.

وفي المغني لابن قدامة: المشهور عن أحمد أن تكبير الخفض والرفع, وتسبيح الركوع والسجود, وقول: سمع الله لمن حمده, وربنا ولك الحمد, وقول: ربي اغفر لي ـ بين السجدتين ـ والتشهد الأول, واجب، وهو قول إسحاق, وداود، وعن أحمد: أنه غير واجب، وهو قول أكثر الفقهاء; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته, ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة, ولأنه لو كان واجبًا لم يسقط بالسهو, كالأركان، ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به ـ وأمره للوجوب ـ وفعله، وقال: {صلوا كما رأيتموني أصلي}, وقد روى أبو داود عن علي بن يحيى بن خلاد، عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ إلى قوله: ثم يكبر, ثم يركع حتى تطمئن مفاصله, ثم يقول: سمع الله لمن حمده, حتى يستوي قائمًا، ثم يقول: الله أكبر, ثم يسجد حتى يطمئن ساجدًا, ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدًا, ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله, ثم يرفع رأسه، فيكبر، فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته}. وهذا نص في وجوب التكبير, ولأن مواضع هذه الأذكار أركان الصلاة. فكان فيها ذكر واجب، كالقيام، وأما حديث المسيء في صلاته فقد ذكر في الحديث الذي رويناه تعليمه ذلك, وهي زيادة يجب قبولها, على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه كل الواجبات, بدليل أنه لم يعلمه التشهد، ولا السلام, ويحتمل أنه اقتصر على تعليمه ما رآه أساء فيه, ولا يلزم من التساوي في الوجوب التساوي في الأحكام, بدليل واجبات الحج. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني