الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حد الحجاب الشرعي الذي إذا لم تلتزم به المرأة وجب الإنكار عليها

السؤال

أولًا: سؤال عام:
ما هو الحد الذي اتفق عليه العلماء الذي لو تعدته المرأة في لباسها أصبح منكرًا يجب الإنكار عليه بلا خلاف؟
لأني أعلم قاعدة أنه لا إنكار في الخلاف، فمثلًا: البنطال سمعت من أهل العلم من يحرمه مطلقًا، ومنهم من قال بكراهته، ومنهم من فصل فيه على أحوال بين الجواز والتحريم إن كان واسعًا أو ضيقًا لكن فوقه ما يغطي الجسم إلى الركبة أو نصف الفخذ.
وعليه يترتب سؤال خاص:
سنويًّا في كل عيد فطر يكون هناك مناسبة كبيرة عند أهل زوجي، تحديدًا من طرف أمه، يعني أعمامها وعماتها وأزواجهم وأبناءهم وأحفادهم وأرحامهم وهكذا.
أريد أن أسأل عن منكر في هذه المناسبة، وهو أن كثيرًا منهم خصوصًا الشابات يرتدين لباسًا غير ساتر، على سبيل المثال: مما رأيته فيما مضى
أن يكون اللباس عاريًا من فوق (يعني بلا أكمام)، وربما مظهرًا للصدر، أو قصيرًا فوق الركبة، أو فيه فتحات في الظهر، أو بنطالًا ضيقًا جدًّا مع بلوزة لا تغطي منطقة الأرداف، ويصعب عليّ الإنكار لعدة أسباب، منها: كثرة المخالفات في اللباس، ولأني أحتاج مزيدًا من العلم في مسألة إنكار المنكر وضوابطه وموازنة المصالح والمفاسد، ولأن زوجي يفضل عدم حضوري للمناسبة على أن أذهب وأنكر عليهم؛ لأنه ربما ستكون مفسدة إنكاري للمنكر أكبر من عدم حضوري حسب وجهة نظره، كأن يتضايقوا ويؤذوا أمه بسببي أو يطلبوا منها مثلًا أن تكفني عن الإنكار
فيصيبها الحزن والقلق.
فما حكم حضوري هذه المناسبة (وهي كما ذكرت مرة في العام فقط)؟ وما حكم حضور ابنتي من دوني لأنهم أهل أبيها (هي الآن صغيرة لا تعقل، لكن أسأل للمستقبل)؟
مع العلم أن معظمهم لن نراهم في مكان آخر غالبًا إذا لم نحضرها، لكن لن يترتب على عدم حضوري مشاكل كبيرة، إلا أن أم زوجي سيحزنها ألا أرى عامة أهلها، وهي قد أحسنت إليّ كثيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالخلاف السائغ المعتبر في حجاب المرأة المسلمة وقع في وجوب ستر وجهها وكفيها، وما عدا ذلك فلا يسوغ فيه الخلاف؛ قال ابن حزم في (مراتب الإجماع): اتفقوا على أن شعر الحرة وجسمها -حاشا وجهها ويدها- عورة، واختلفوا في الوجه واليدين حتى أظفارهما أعورة هي أم لا؟ اهـ.
وقال ابن عبد البر في (الاستذكار): الذي عليه فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق: أن على المرأة الحرة أن تغطي جسمها كله بدرع صفيق سابغ، وتخمر رأسها؛ فإنها كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وأن عليها ستر ما عدا وجهها وكفيها. اهـ.
وجاء في (الموسوعة الفقهية): اتفق الفقهاء على وجوب حجب عورة المرأة والرجل البالغين بسترها عن نظر الغير الذي لا يحل له النظر إليها. وعورة المرأة التي يجب عليها حجبها عن الأجنبي هي في الجملة جميع جسدها عدا الوجه والكفين. اهـ.

وجاء فيها أيضًا: اتفق الفقهاء على أن الأذن في المرأة من العورة، ولا يجوز إظهارها للأجنبي. اهـ.

وأما صفة ستر العورة وهيئتها: فإنه مأخوذ من مفهوم الستر، ومقاصد حكم الحجاب، فالرقيق الذي يشف عما تحته، والضيق الذي يظهر حجم البدن، واللين الذي يتثنى عليه فيصفه ... ونحو ذلك مما يتعارض مع حقيقة الستر المطلوب ويناقض غاية الحجاب -لا يخرج عن حقيقة التبرج؛ قال الزجاج: التبرُّج إِظهار الزِّينة وما يُستدعى به شهوةُ الرجل. اهـ.

وقد جاء وصف ذلك في السنة النبوية بوصف دقيق جامع، وهو وصف (الكاسية العارية) فهي كاسية بما يستر عن الرؤية، ولكنه يبدي المفاتن ويجعلها كالعارية، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 273841. وقد سبق لنا بيان شروط حجاب المرأة المسلمة ومواصفاته في عدة فتاوى، منها: الفتوى رقم: 6745. ومنها يعرف أن البنطال المعروف اليوم لا يحقق شروط الحجاب الشرعي، لكونه يصف بدن المرأة ويبين حجم ما يجب ستره من أعضائها، مع ما فيه من التشبه بالرجال، وراجعي في ذلك الفتويين: 145177، 153327.

وراجعي في أحوال الإنكار في مسائل الخلاف، الفتوى رقم: 228658.

والحقيقة أن الحال التي سألت عنه السائلة لا يكمن إدراجها في موقع الخلاف بين العلماء في شروط الحجاب الشرعي؛ لأن الصور التي ذكرتها لا يتصور فيها الخلاف أصلًا: (لباس بلا أكمام، وربما مظهر للصدر .. أو قصير فوق الركبة .. أو فيه فتحات في الظهر .. أو بنطال ضيق جدًّا مع بلوزة لا تغطي منطقة الأرداف) فهذا تبرج منكر بلا ريب ولا خلاف!! فإذا كانت السائلة لا تستطيع الإنكار أو نصح هؤلاء النسوة اللاتي يخالطن الرجال في مثل هذه الثياب، فيسعها أن لا تحضر، ولا سيما وزوجها -كما ذكرت- يفضل عدم حضورها على ذهابها وإنكارها هذا المنكر. وراجعي الفتوى رقم: 136274، وما أحيل عليه فيها.
وأما حضور ابنتك الصغيرة التي لا تعقل: فلا نرى فيه حرجًا؛ لأنه لا يجب عليها الأمر والنهي وبذل النصيحة، وإنما يجب هذا على أبيها.

وأما بالنسبة للمستقبل: فالأولى أن تهتموا بإصلاح هذا الوضع، وذلك بنصح والدة الزوج بأسلوب مناسب رفيق، فاجتماع العائلة وصلة الرحم أمر مطلوب، ولكن بغير اختلاط محرم بين الرجال والنساء الأجنبيات عنهم، ومع بذل النصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة للمتبرجات منهن حتى يرتدين الحجاب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني