الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تطليق المرأة مع رغبتها في استمرار الزواج يعد ظلما من الزوج؟

السؤال

أولًا: أنا فتاة أبلغ من العمر 27 عامًا، تزوجت رجلًا أخفى عني قبل الدخول عليّ أو حتى قبل كتابة العقد أنه مصاب بضعف جنسي، وليس بعجز تام، وأخبرني بعد الزواج بشهر بعد إلحاحي بالسؤال عليه، فعاملته بما يرضي الله، ثم يرضيه.
ثانيًا: فلم أصدقه، وتظاهرت أنني غير مقتنعة، وأنني أراه سليمًا حتى لا يشعر بنوع من أنواع النقص، إضافة إلى أنني أوهمته أنني أستمتع جدًّا معه في الفراش، ولم أهتم إلا بمشاعره متجاهلة مشاعري تمامًا، مع العلم أنني متعلمة، وجميلة جدًّا، وذكية، ومتواضعة إلى أبعد الحدود، وبالرغم من ذلك قوبل معروفي هذا وصبري عليه بطلاق تعسفي، وبدون علمي، ودون رغبتي، بل كنت أتمنى أن أكمل حياتي معه؛ لأنني أحببته رغم مزاجه السيئ، ومكانتي في حياته كزوجة ثانية، وطلبت منه البقاء معه بعد علمي بنيته، وللأسف طلقني ولم يعر توسلي له ولا اتصالاتي عليه اهتمامًا، طلقني ولم يخبرني مباشرة، بل قام بالاتصال بأخي والاعتذار منه والتحجج ببعد المسافة، لأنني أقيم معه في مدينة بعيدة عن مدينة أهلي، ولا أعرف فيها أحدًا سواه، وكنت أشتكي فقط معه من البعد، وأستغل زيارتي لهم ليتخلص مني.
سؤالي بعد ذكر الحالة بالتفصيل: هل هو ظالم أم الطلاق حقّ من حقوقه الشرعية؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإننا نقول أولًا: كان ينبغي لزوجك أن يقابل الإحسان بالإحسان، فلا يعجل إلى الطلاق، فحفظ المعروف والاعتراف بالجميل من شأن الكرماء، ولذا فإن أكرم الأكرمين يجازي بالحسنات إحسانًا، قال تعالى: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ {الرحمن:60}، هذا مع أنه لا تنفعه طاعة المطيع. وحفظ الجميل من أخلاق النبوة، فهذا يوسف -عليه السلام- قال الله -عز وجل- عنه: وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {يوسف:23}، فأبى أن يقابل إحسان العزيز إليه بالإساءة إليه في عرضه متذكّرًا جميل إحسانه إليه. وبشأن نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- جاء حديث البخاري عن جبير بن مطعم -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في أسارى بدر: "لو كان المطعم بن عدي حيًّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له". قال ابن الجوزي في كشف المشكل: إنما خص المطعم بهذا، لأنه لما مات عمه أبو طالب، وماتت خديجة، خرج إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة، فأقام بها شهرًا ثم رجع إلى مكة في جوار المطعم بن عدي، فأحب مكافأته لو أمكن. اهـ. فالحاصل: أن حفظ الجميل خصلة كريمة.

وأما الطلاق: فالأصل فيه أنه مباح، إلا أنه يكره المصير إليه لغير حاجة كما ذكر أهل العلم، وقد بيّنّا ذلك في الفتوى رقم: 93203، فلا يكون الزوج ظالمًا بمجرد تطليقه زوجته.

وما يدريك لعل الله تعالى أراد بك خيرًا بفراقه، فتناسي ما مضى، واستأنفي حياتك، وسلي الله تعالى أن ييسر لك زوجًا صالحًا، قال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}، قال القرطبي عند تفسيره هذه الآية: أي: وإن لم يصطلحا، بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله؛ فقد يقيّض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. اهـ.

هذا مع العلم بأنه لا حرج على المرأة شرعًا في البحث عن الزوج الصالح، وعرض نفسها على من ترغب في زواجه منها، على أن يكون ذلك في حدود أدب الشرع، كما أوضحنا في الفتوى رقم: 18430.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني