الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

إذا فعلت أمرًا أشك أنني كفرت به، ولا أدري هل فعلت كفرًا أم لا، فهل يجب عليّ سؤال أهل العلم ليفتوني في أمري، قبل أن أنطق الشهادتين لأجدد إسلامي، وأحتاط؟ أم لا يجب سؤالهم، لوجود وسوسة تقول إنه لا بد من سؤال أهل العلم قبل نطق الشهادتين؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الواجب على الموسوس في مثل هذه الحال أن يعرض عن هذه الوساوس، ويصرف ذهنه عنها، ويشغل وقته بما يفيده من التعلم، والدعوة الى الله تعالى، والعمل الصالح، ولا يلزمه سؤال أهل العلم، بل عليه أن يستشعر أنه موسوس، وأن يعالج نفسه بالدعاء، والذكر كلما جاءه الوسواس، فقد سئل الهيتمي ـ رحمه الله تعالى ـ عن داء الوسوسة هل له دواء؟

فأجاب بقوله: له دواء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان، فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون, وأما من أصغى إليها، وعمل بقضيتها، فإنها لا تزال تزداد به حتى تُخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم, كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها، وأصغوا إليها، وإلى شيطانها الذي جاء التنبيه عليه منه صلى الله عليه وسلم بقوله: اتقوا وسواس الماء الذي يقال له: الولهان أي: لما فيه من شدة اللهو، والمبالغة فيه، كما بينت ذلك، وما يتعلق به في شرح مشكاة الأنوار.

وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته وهو أن من ابتلي بالوسوسة، فليستعذ بالله، ولينته، فتأمل هذا الدواء النافع الذي علّمه من لا ينطق عن الهوى لأمته.

واعلم أن من حُرمه فقد حُرم الخير كله؛ لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقًا, واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال، والحيرة، ونكد العيش، وظلمة النفس، وضجرها إلى أن يُخرجه من الإسلام، وهو لا يشعر: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا {فاطر: 6}.

وجاء في طريق آخر فيمن ابتلي بالوسوسة، فليقل: آمنت بالله وبرسله ـ ولا شك أن من استحضر طرائق رسل الله سيما نبينا صلى الله عليه وسلم وجد طريقته، وشريعته سهلة واضحة بيضاء بينة سهلة لا حرج فيها: وما جعل عليكم في الدين من حرج {الحج: 78} ومن تأمل ذلك، وآمن به حق إيمانه ذهب عنه داء الوسوسة، والإصغاء إلى شيطانها.

وفي كتاب ابن السني من طريق عائشة ـ رضي الله عنها: من بلي بهذا الوسواس، فليقل: آمنا بالله وبرسله ثلاثًا, فإن ذلك يذهبه عنه.

وفي مسلم من طريق عثمان بن أبي العاص أنه قال: إن الشيطان حال بيني، وبين صلاتي، وقراءتي، فقال: ذلك شيطان يقال له: خنزب, فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثا, ففعلت، فأذهبه الله عني.

وبه تعلم صحة ما قدمته أن الوسوسة لا تُسلط إلا على من استحكم عليه الجهل ،والخبل، وصار لا تمييز له، وأما من كان على حقيقة العلم، والعقل، فإنه لا يخرج عن الاتباع، ولا يميل إلى الابتداع، وأقبح المبتدعين الموسوسون، ومن ثم قال مالك ـ رحمه الله ـ عن شيخه ربيعة إمام أهل زمنه: كان ربيعة أسرع الناس في أمرين في الاستبراء، والوضوء, حتى لو كان غيره، قلت: ما فعل، لعله يقصد بقوله: ما فعل، أي لم يتوضأ، وكان ابن هرمز بطيء الاستبراء، والوضوء, ويقول: مبتلى لا تقتدوا بي.

ونقل النووي ـ رحمه الله ـ عن بعض العلماء أنه يستحب لمن بلي بالوسوسة في الوضوء, أو الصلاة أن يقول: لا إله إلا الله، فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس ـ أي: تأخر، وبعد ـ ولا إله إلا الله رأس الذكر، وأنفع علاج في دفع الوسوسة الإقبال على ذكر الله تعالى، والإكثار منه... انتهى كلام ابن حجر الهيتمي ـ رحمه الله ـ باختصار من الفتاوى الفقهية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني