الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عقد العمل الدائم في حقيقته عقد محدد ببلوغ العامل سن التقاعد المتعارف عليه

السؤال

لقد بحثت في الفتاوى السابقة التي تخص التعويض المادي عن الطرد التعسفي من العمل، ووجدتها كلها تتحدث عن العمل المحدد بعقد لمدة محدودة، ولم أجد حكم التعويض عند الطرد من عمل انتدب فيه العامل بصفة دائمة، أي: لا يطرد أبدًا حتى يصل إلى عمر التقاعد، إلا إذا ارتكب خطأ فادحًا، أو إذا ترك العمل بإرادته. وفي حال اختار صاحب العمل طرده، أو أراد غلق مقر العمل، فإنه يكون مطالبًا بتعويض العمال عن خسارتهم لمورد رزقهم، خاصة أن إيجاد عمل آخر يكون صعبًا، خاصة على من تقدم به العمر، فما حكم هذا التعويض المادي الذي تحكم به المحكمة لصالح العامل المطرود؟
كما أنه في حالات كثيرة يتهرب صاحب العمل من إعطاء العمال حقوقهم إذا أراد إغلاق المصنع، أو الشركة، فيعمد إلى إغلاق المقر والهروب، حينها تقوم الدولة -حسب القانون- بوضع يدها على المعدات، وبيعها عن طريق إجراء مزاد علنيّ، وتدفع للعمال التعويضات التي تحكم بها المحكمة، أو جزءًا منها بحسب المبلغ الذي تجمعه من بيع المعدات، فهل هذا التعويض حرام أم حلال؟ وإذا تهرب صاحب العمل من هذا الأمر ببيع المعدات خلسة، ولم تجد الدولة ما تبيعه، ووقع بيد أحد العمال بعض الأغراض، فهل يحل له أخذها، واعتبارها بعض حقه الذي لم يقدر على أخذه بالقانون؟
نرجو منكم إجابة شافية؛ فقد التبس الأمر علينا، فلا نعرف ما هو حقّنا، وبارك الله فيكم، وجزاكم كل خير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فعقد العمل الدائم إنما هو في حقيقته عقد محدد بمدة معينة، وهو بلوغ العامل سن التقاعد المتعارف عليه.

ومن ثم؛ فلا فرق بينه وبين سائر العقود المحددة بمدة، اللهم إلا في طول مدته، وهذا بمجرده لا حرج فيه، وانظري الفتاوى التالية أرقامها: 103943، 238135.

وعلى ذلك؛ فإن لم يلتزم صاحب العمل بمدة الإجارة، وإن طالت، وأراد طرد العامل، أو إيقاف العمل جملة، فعليه تعويضه عما بقي من فترة إجارته، وانظري الفتوى رقم: 169861، هذا من حيث الأصل.

وأما بخصوص التعويض الذي تفرضه المحكمة: فلا يمكننا الحكم عليه إلا بعد معرفة حيثياته، ومدى موافقتها للمعايير الشرعية، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره. وانظري الفتوى رقم: 95443.

ويجوز من حيث الأصل أن يضع ولي الأمر يده على أملاك صاحب العمل المتهرب من أداء حقوق عماله، ويبيعها حتى يوفيهم حقوقهم، كما هو الحال مع غيره من المدينين المماطلين؛ جاء في الموسوعة الفقهية: من كان عليه دَين وكان موسرًا، فإنه يجب عليه أداؤه, فإن ماطل، ولم يؤد ألزمه الحاكم بالأداء بعد طلب الغرماء, فإن امتنع حبسه لظلمه بتأخير الحق من غير ضرورة; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {لَيّ الواجد يحل عرضه، وعقوبته}, والحبس عقوبة, فإن لم يؤد وكان له مال ظاهر باعه الحاكم عليه; لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم باع على معاذ ماله، وقضى ديونه}. وكذلك روي أن عمر -رضي الله تعالى- عنه باع مال أسيفع، وقسمه بين غرمائه.

كما يجوز لمن وقع في يده بعض أغراض صاحب العمل المماطل أن يستوفي حقّه منها، بناء على ما ذكره بعض أهل العلم في مسألة الظفر، وقد بيّنّا مذاهب العلماء فيها في الفتوى رقم: 28871.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني