الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجمع بين قوله تعالى: كل يوم هو في شأن. وحديث: فرغ ربكم من العباد، فريق...

السؤال

كيف نجمع بين قوله تعالى: كل يوم هو في شأن. وحديث: فرغ ربكم من العباد، فريق في الجنة، وفريق في السعير؟ جعلنا الله وإياكم في فريق الجنة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فليس هناك تعارض بين الآية والحديث، فإن الآية لا تدل على أن الله يكون مشغولًا عن شيء بسبب ما يقضيه من تدبير شؤون خلقه في كل يوم، فربنا لا يشغله شيء عن شيء، فهو سبحانه في كل يوم يحيي ويميت، ويرفع من يشاء من خلقه، ويضع آخرين، إلى غير ذلك من أفعاله عز وجل في خلقه، وكل ذلك بقدره، وقضائه تعالى، فقدر آجالهم، وأرزاقهم، ومنازلهم من الجنة والنار، قال العلامة السعدي ـ رحمه الله ـ في تفسيره: وهو تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ـ يغني فقيرًا، ويجبر كسيرًا، ويعطي قومًا، ويمنع آخرين، ويميت ويحيي، ويرفع ويخفض، لا يشغله شأن عن شأن، ولا تغلطه المسائل، ولا يبرمه إلحاح الملحين، ولا طول مسألة السائلين، فسبحان الكريم الوهاب، الذي عمت مواهبه أهل الأرض والسماوات، وعم لطفه جميع الخلق في كل الآنات واللحظات، وتعالى الذي لا يمنعه من الإعطاء معصية العاصين، ولا استغناء الفقراء الجاهلين به وبكرمه، وهذه الشؤون التي أخبر أنه تعالى كل يوم هو في شأن، هي تقاديره، وتدابيره التي قدرها في الأزل، وقضاها، لا يزال تعالى يمضيها، وينفذها في أوقاتها التي اقتضته حكمته، وهي أحكامه الدينية التي هي الأمر والنهي، والقدرية التي يجريها على عباده مدة مقامهم في هذه الدار، حتى إذا تمت هذه الخليقة، وأفناهم الله تعالى، وأراد تعالى أن ينفذ فيهم أحكام الجزاء، ويريهم من عدله، وفضله، وكثرة إحسانه، ما به يعرفونه، ويوحدونه، نقل المكلفين من دار الابتلاء، والامتحان إلى دار الحيوان. انتهى.

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ الْعِبَادِ، فريق فِي الْجنَّة، وفريق فِي السعير. رواه الترمذي ـ لا يدل على أن الله قد كان مشغولًا عنهم حتى تفرغ لهم، بل إن لكل عمل بداية ونهاية، ونهايته الفراغ منه، قال الشيخ عبد الله الغنيمان في شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري: قوله: حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد ـ كل عمل له بداية ونهاية، ونهايته الفراغ منه، والمعنى: أن الله تعالى يتولى محاسبة عباده بنفسه، وينتهي من ذلك، وهو تعالى أسرع الحاسبين، وجاء وصف الله تعالى بذلك في كثير من النصوص، وهو من أوصاف الفعل، وهي كثيرة. انتهى.

وقال البخاري في صحيحه في قوله تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ {الرحمن:31} سَنُحَاسِبُكُمْ، لاَ يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي كَلاَمِ العَرَبِ، يُقَالُ: لَأَتَفَرَّغَنَّ لَكَ، وَمَا بِهِ شُغْلٌ. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني