الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من قال: "إذا كذبت عليّ اعتبري نفسك لست على ذمتي"

السؤال

قلت لزوجتي: "إذا كذبت عليّ اعتبري نفسك لست على ذمتي" قاصدًا بكلمة "لست على ذمتي" كلمة "طالق"، ولكن بالنسبة لنية إيقاع الطلاق في الحال بهذه العبارة في حال فعلت الزوجة الشيء المعلق عليه الطلاق، فيوجد شكّ، والأغلب أنه لا يوجد نية لإيقاع الطلاق بهذه العبارة، أو يوجد تردد في النية.
ومرة من المرات ناديت زوجتي لتتناول أغراضًا مني من باب البيت، فخرجت بلباس الصلاة في الجزء العلوي، ولكنها كانت ترتدي بنطال البيت، فغضبت منها لأنه ضيق، وعندما عدت للبيت سألتها: لماذا خرجت بذلك البنطال؟ وكانت قد بدلته، ولبست بنطالًا آخر واسعًا، فقالت لي: إنها خرجت في هذا البنطال الواسع، ثم جعلتها تحلف يمينًا على القرآن، فحلفت أنها خرجت في البنطال الواسع، فتذكرت أنني كنت قلت لها: إذا كذبت عليّ اعتبري حالك لست على ذمتي. فقالت لي: إنها كانت تواري (أي: عندما قالت لي: إنها خرجت بالبنطال الواسع)، وعندما حلفت يمينًا على القرآن على أنها خرجت بالبنطال الواسع كانت تقصد في نيتها مرة أخرى غير المرة التي أسألها عنها وأقصدها أنا؛ لأنها تعرف أن هناك تورية بالإسلام.
علمًا أنها تقول: إنها كانت ناسية موضوع يمين الطلاق المعلق، فتذكرت حديث: "يمينك على ما يصدقك صاحبك"، فقالت لي: إنها لا تعرف هذا الحديث، وإنها تعرف أنه يجوز التورية، (أي: إنها فعلت الأمر متأولة عدم وقوع الطلاق بأنها تواري) فخفت، وهل هذا الحديث خاص بالبيع؟ وإذا كان غير خاص بالبيع، فهل لعدم معرفتها بالحديث، ولاعتقادها بأنه يجوز التورية اعتبار؟
أريد إضافة أني كنت سابقًا قد سحبت يمين الطلاق المعلق بالكذب، وقلت لها: إني سحبت اليمين. لكني قلت لها: لا تكذبي عليّ بأي حال من الأحوال؛ لأني لا أعرف هل يقع اليمين أم لا يقع؛ فقد قرأت عدة آراء بالموضوع، من بينها: أنه يقع الطلاق حتى لو سحبت اليمين المعلق، وماذا لو سبق هذا الموقف يمينان معلقان بالطلاق، وحصل فيهما حنث؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما دمت لم تقصد إيقاع الطلاق عند كذب الزوجة، أو حصل شكّ وتردد في نية إيقاع الطلاق لم يلتفت للشك، ولم يقع الطلاق بكذبها؛ قال الدمياطي الشافعي -رحمه الله-: ... وإما كناية: وهي كل لفظ احتمل ظاهره غير الطلاق، ولا تنحصر ألفاظها. وحكمها أنها تحتاج إلى نية إيقاع الطلاق بها. إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين.

وقال المجد ابن تيمية -رحمه الله-: إذا شكّ في الطلاق، أو في شرطه بنى على يقين النكاح. المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل.

وقال الرحيباني الحنبلي -رحمه الله-: وَلَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ لِشَكٍّ فِيهِ، أَوْ شَكٍّ فِيمَا عَلَّقَ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ. مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى.

واعلم أنّ المفتى به عندنا: أن الرجل إذا علّق طلاق امرأته على شرط لم يملك التراجع عنه، وإذا تحقق شرطه طلقت زوجته، وهذا قول أكثر أهل العلم، لكنّ بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يرى أن من قصد إيقاع الطلاق عند حصول المعلق عليه، فله أن يتراجع عن التعليق، ولا شيء عليه، وإذا لم يقصد إيقاع الطلاق، وإنما قصد بالتعليق التهديد، أو التأكيد، أو المنع، فلا يقع الطلاق بحصول المعلق عليه، وإنما تلزمه كفارة يمين لحنثه، وانظر الفتوى رقم: 161221.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني