الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الكرامات تنقص من حسنات العبد؟

السؤال

قرأت أن الكرامات تنقص من حسنات العبد، فهل هذا صحيح؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فينبغي أن يُعرف أن خوارق العادات ليست كرامات للأولياء مطلقًا، بل كرامات الأولياء ما كان سببها الإيمان، والتقوى، فإن حقيقة الكرامة هي لزوم الاستقامة؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "كرامات الأولياء" لا بد أن يكون سببها الإيمان، والتقوى، فما كان سببه الكفر، والفسوق، والعصيان، فهو من خوارق أعداء الله، لا من كرامات أولياء الله، فمن كانت خوارقه لا تحصل بالصلاة، والقراءة، والذكر، وقيام الليل، والدعاء، وإنما تحصل عند الشرك؛ مثل: دعاء الميت، والغائب، أو بالفسق، والعصيان، وأكل المحرمات: كالحيات، والزنابير، والخنافس، والدم، وغيره من النجاسات، ومثل الغناء، والرقص، لا سيما مع النسوة الأجانب، والمردان، وحالة خوارقه تنقص عند سماع القرآن، وتقوى عند سماع مزامير الشيطان، فيرقص ليلًا طويلًا، فإذا جاءت الصلاة صلى قاعدًا، أو ينقر الصلاة نقر الديك، وهو يبغض سماع القرآن، وينفر عنه، ويتكلفه ليس له فيه محبة، ولا ذوق، ولا لذة عند وجده، ويحب سماع المكاء، والتصدية، ويجد عنده مواجيد؛ فهذه أحوال شيطانية، وهو ممن يتناوله قوله تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين}. فالقرآن هو ذكر الرحمن قال الله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} يعني: تركت العمل بها؛ قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: تكفل الله لمن قرأ كتابه، وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة؛ ثم قرأ هذه الآية. انتهى.

وقال أيضًا -رحمه الله-: خوارق الْعَادَات الَّتِي تسميها الْعَامَّة كَرَامَة لَيست عِنْد أهل التَّحْقِيق كَرَامَة مُطلقًا، بل فِي الْحَقِيقَة الْكَرَامَة هِيَ لُزُوم الاسْتقَامَة، وهى طَاعَة الله، وَإِنَّمَا هِيَ مِمَّا يَبْتَلِي الله بِهِ عَبده؛ فَإِن أطاعه بهَا رَفعه، وَإِن عَصَاهُ بهَا خفضه، وَإِن كَانَت من آثَار طَاعَة أخرى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وألو استقاموا على الطَّرِيقَة لأسقيناهم مَاء غدقا لنفتنهم فِيهِ وَمن يعرض عَن ذكر ربه يسلكه عذَابًا صعدًا. انتهى.

فإذا علم ذلك؛ فإن من حصلت له إحدى خوارق العادات قد ترتفع درجته بها إذا استعملها في طاعة الله، وقد تنقص بها درجته إذا استعملها في معصية الله، وقد تكون في حقه بمنزلة المباحات؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما ما يبتلي الله به عبده من السراء بخرق العادة، أو بغيرها، أو بالضراء فليس ذلك لأجل كرامة العبد على ربه، ولا هوانه عليه، بل قد يسعد بها قوم إذا أطاعوه في ذلك، وقد يشقى بها قوم إذا عصوه في ذلك؛ قال الله تعالى: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن *لا}. ولهذا كان الناس في هذه الأمور على ثلاثة أقسام:

- قسم ترتفع درجاتهم بخرق العادة إذا استعملوها في طاعة الله.

- وقوم يتعرضون بها لعذاب الله إذا استعملوها في معصية الله، كبلعام، وغيره.

- وقوم تكون في حقهم بمنزلة المباحات.

والقسم الأول هم المؤمنون حقًّا المتبعون لنبيهم سيد ولد آدم الذي إنما كانت خوارقه لحجة يقيم بها دين الله، أو لحاجة يستعين بها على طاعة الله. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني