الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قصة سكر حمزة بن عبد المطلب حصلت قبل تحريم الخمر

السؤال

في صحيح البخاري ورد حديث: حدثنا عبدان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا يونس، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عنبسة، حدثنا يونس، عن الزهري، أخبرنا علي ابن حسين، أن حسين بن علي ـ عليهم السلام ـ أخبره أن عليًّا قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني مما أفاء الله عليه الخمس يومئذ، فلما أردت أن أبتني بفاطمة -عليها السلام- بنت النبي صلى الله عليه وسلم واعدت رجلًا صواغًا في بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر، فأردت أن أبيعه من الصواغين، فنستعين به في وليمة عرسي، فبينا أنا أجمع لشارفي من الأقتاب، والغرائر، والحبال، وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار حتى جمعت ما جمعت، فإذا أنا بشارفي قد أجبت أسنمتهما، وبقرت خواصرهما، وأخذ من أكبادهما، فلم أملك عيني حين رأيت المنظر، قلت: من فعل هذا؟ قالوا: فعله حمزة بن عبد المطلب، وهو في البيت في شرب من الأنصار عنده قينة، وأصحابه، فقالت في غنائها: ألا يا حمز للشرف النواء ـ فوثب حمزة إلى السيف، فأجب أسنمتهما، وبقر خواصرهما، وأخذ من أكبادهما، قال علي: فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده زيد بن حارثة، وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الذي لقيت، فقال: ما لك؟ قلت: يا رسول الله، ما رأيت كاليوم! عدا حمزة على ناقتي، فأجب أسنمتهما، وبقر خواصرهما، وها هو ذا في بيت معه شرب، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بردائه، فارتدى، ثم أنطلق يمشي، واتبعته أنا، وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة، فاستأذن عليه، فأذن له، فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة ثمل محمرة عينه، فنظر حمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صعد النظر، فنظر إلى ركبته، ثم صعد النظر، فنظر إلى وجهه، ثم قال حمزة: وهل أنتم إلا عبيد لأبي؟ فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثمل، فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقرى، فخرج، وخرجنا معه ـ فكيف لحمزه بن عبد المطلب -رضي الله عنه- أن يأخذ نصيب علي -رضي الله عنه- من المغنم دون علمه؟ وماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم تجاه هذه الحادثة؟ وهل يقصد بالثمل في الحديث السكر؟ وإذا كان كذلك، فكيف لعم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل هذا، وقد علم تحريمه؟ وهل أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحد عليه؟ وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن هذه القصة حصلت قبل تحريم الخمر، قال الخطابي في معالم السنن: إنما كان هذا من حمزة قبل تحريم الخمر؛ لأن حمزة قتل يوم أحد، وكان تحريم الخمر بعد غزوة أحد، فكان معذورًا في قوله، غير مؤاخذ به، وكان الحرج عنه زائلًا، إذ كان سببه الذي دعاه إليه مباحًا... اهـ.

ومعنى الثمل: السكران، كما في فتح الباري لابن حجر: وقوله في آخره: إنه ثمل ـ بفتح المثلثة وكسر الميم بعدها لام- أي سكران.. اهـ.

وأما النبي صلى الله عليه وسلم: فقد عذر حمزة في كلامه بسبب سكره، ولم يقم عليه الحد؛ لأن الخمر لم تحرم حينئذ، وقد روي أنه غرمه ثمن الناقتين، ففي شرح النووي على مسلم: وأما غرامة ما أتلفه فيجب في ماله، فلعل عليًّا ـ رضي الله تعالى عنه ـ أبرأه من ذلك بعد معرفته بقيمة ما أتلفه، أو أنه أداه إليه حمزة بعد ذلك، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم أداه عنه لحرمته عنده، وكمال حقه، ومحبته إياه، وقرابته، وقد جاء في كتاب عمر بن شيبة من رواية أبي بكر بن عياش أن النبي صلى الله عليه وسلم غرم حمزة الناقتين، وقد أجمع العلماء أن ما أتلفه السكران من الأموال يلزمه ضمانه، كالمجنون، فإن الضمان لا يشترط فيه التكليف؛ ولهذا أوجب الله تعالى في كتابه في قتل الخطأ الدية، والكفارة. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني