الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التوبة من محادثة النساء

السؤال

أنا شاب أبلغ من العمر 36 سنة، ولم أتفطن إلى حد هذا العمر إلا وقد بلغت ذنوبي ما تنوء الجبال بحمله، وأنا أخالها لو وزعت على من في الأرض لكفتهم، لقد أدمنت مواقع الدردشة على الإنترنت، ومواقع التواصل، والمواقع اللاأخلاقية، وتعرفت إلى فتيات كثر، فسببت الكثيرات، وجاملت وتغزلت بالكثيرات، ولم أكن أحافظ على الصلوات، فأحيانًا أصلي وأحيانًا أخرى قد أتركها بالأسابيع، أو الشهور، وإن صليت فأنا أجمعها أحيانًا، ولم أثبت يومًا على ديني، ولا أقبل على القرآن، فأحس بالضيق لمجرد مسك المصحف.
المهم أنني تعرفت ذات مرة إلى فتاة ذات خلق ودين عبر إحدى المواقع أوهمتها بتديني، وعرضت عليها الزواج، فقبلت، وكلمت أباها بالهاتف لأني أعيش في بلاد غربية، فأبدى موافقته المبدئية، وخلت نفسي أنني سأتوب، وأقلع عن هذه المواقع، وأحافظ على الصلوات، لكن شيئًا من ذلك لم يحصل، فإذ بي أعود إلى نفس الوتيرة في الدردشة، وتصفح المواقع اللاأخلاقية، وتعرفت إلى فتاة أخرى أغريتها بمعسول الكلام، والحب، ووعدتها بالزواج، وألححت عليها أيامًا أن نتحدث بالكاميرا، حتى قبلت وتحادثنا طويلًا، وحصل بيننا كلام وحركات يندى لذكرها الجبين، واستمر الحال لأيام حتى فتنت بها، وبلغ بي الأمر أن أعلم الفتاة الأولى أنه لم يعد لي حاجة بالزواج، ولكني تراجعت عن ذلك معللًا أقوالي بمروري بضائقة مالية. المهم أنني بقيت متذبذبًا بين الفتاتين، فلا أنا تركت الأولى، ولا تركت الثانية، ونفس الكلام الذي أسمعه للأولى أسمعه للثانية حتى بلغت حالة نفسية سيئة جدًّا، ووصلت إلى حد ترك العمل قائلًا في نفسي: كم أنا ظالم موقنًا بعقوبة الظلم والظالمين من الله عز وجل، لكن حدث يومًا أن استجمعت شجاعتي، وصارحت الأولى بما جرى لي مع الفتاة الثانية، خاصة أني علمت منها أن هنالك من يريد التقدم لخطبتها، فما كان منها إلا أن قالت لي: "الحمد لله عرفتك على حقيقتك، ولن تراني مجددًا" وقطعت كل وسيلة اتصال بها، ولم أجد مجالًا لطلب الصفح منها، وفي المقابل أيضًا نهرت الثانية، وطلبت منها الوقوف عند هذا الحد، دون إخبارها أي شيء عن الحقيقة، فما كان منها إلا أن استغرقت في البكاء قائلة لي: "لن أسامحك لا في الدنيا، ولا في الآخرة، وحسبي الله ونعم الوكيل فيك" فطلبت منها الصفح، فأبت، وأنا اليوم حائر في أمري، موقن بحجم الجرم الذي ارتكبت في حق الفتاتين، وحجم الظلم الذي ألحقته بهما، وعاهدت الله على أن لا أعود لتلك المواقع أبدًا، وأن أحافظ على الصلوات، وقراءة القرآن، والصيام، وقررت أن أترك البلاد الغربية، وأعود إلى بلدي؛ لأن إقامتي هنا هي سبب من أسباب انحرافي، وأنا اليوم أبكي ألمًا وحرقة على ما فرطت في حق الله طوال هذه السنين من عمري، ولا أجد حلًّا لتبرئة ذمتي من ظلم هاتين الفتاتين، وظلم فتيات أخريات، فماذا أفعل؟ وهل سيقبل الله توبتي لأني أجزم بأني كنت منافقًا طوال هذه الفترة من عمري؟ فأنا متظاهر بالتدين، لكني لم أكن كذلك أبدًا، أرجو منكم أن تفتوني؛ لأني لم أعد أرغب في شيء من هذه الدنيا غير المحافظة على ديني، وحسن الخاتمة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنّ الذنب مهما عظم، فلا يعظم على عفو الله، فمن سعة رحمة الله، وعظيم كرمه أنّ العبد مهما أذنب، ثمّ تاب إلى الله توبة صادقة، فإنّ الله يقبل توبته، ويعفو عنه، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25}، وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.

والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العود إليه، مع الستر على النفس، وعدم المجاهرة بالذنب، ولا يلزمك أن تبحث عن الفتيات اللاتي كنت على علاقة بهن لتتحلل منهن، فهن ظالمات لأنفسهن، وتكفيك التوبة، والدعاء، والتضرع إلى الله، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 201097.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني