الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القول بعدم وجوب زكاة الفطر قول ضعيف لا يعتد به

السؤال

هل القول بأن زكاة الفطر سنة مؤكدة، وليست واجبة يعد قولًا معتبرًا له دليل، أو يعد خلافًا معتبرًا يمكن الأخذ به أم هو قول باطل؟ فقد قرأت سريعًا عن حكم زكاة الفطر على موقعكم، ولكن أريد معرفة مدى قوة القول الآخر، وما هو دليله؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فزكاة الفطر فريضة من الفرائض، والأحاديث صريحة بفرضيتها، ففي الصحيحين عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة.

وفي سنن أبي داود عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من الرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.

وهذا اللفظ (فرض) من ألفاظ الوجوب، فيتعين حمله عليه عند الإطلاق، جاء في شرح زاد المستقنع للشنقيطي: والقاعدة: أن هذا اللفظ (فرض) يدل على الوجوب، واللزوم؛ لأن الفريضة تعتبر لازمة، لا خيار للمكلف في إسقاطها، فلا تعتبر في مقام المندوبات، والمستحبات، وإنما هي في مقام الواجبات؛ ولذلك قال تعالى: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [النساء:11]، فالفرض يطلق بمعنى الواجب، ولا يطلق على المندوب، والمستحب، فكان تعبير هذا الصحابي بقوله: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم) دالاً على الوجوب.
لكن الظاهرية -رحمة الله عليهم- ينازعون في مثل هذا الحديث؛ ويقولون: يحتمل أن الصحابي فهم ما ليس بفرضٍ فرضًا، فلا يرونه دليلًا على الفرضية.

وجمهور الأصوليين -ومنهم الأئمة الأربعة- على أن الصحابي إذا قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم) أنه يدل على الوجوب؛ لأن الصحابة أعرف بالخطاب، وأعرف بلسان العرب، ومدلولاته، وهم قد شهدوا مشاهد التنزيل، فهم أعرف بأساليب الكتاب، والسنة، مع ما لهم من العلم، والدراية بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الأمر الذي يجعل ما ذكره الظاهرية ـ من احتمال فهم الصحابي ما ليس بفرض فرضًا ـ ضعيفًا، والقاعدة: (أن الاحتمالات الضعيفة لا ترد على النصوص، ولا تبطل أدلتها).

وعلى هذا؛ فالصحيح أن قوله: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعتبر دالًا على الوجوب، وأن زكاة الفطر فريضة يثاب فاعلها، ويعاقب تاركها. اهـ

وقد نقل الإجماع على وجوبها غير واحد من أهل العلم، جاء في المجموع للنووي: قال البيهقي: وقد أجمع العلماء على وجوب صدقة الفطر، وكذا نقل الإجماع فيها ابن المنذر في الإشراف، وهذا يدل على ضعف الرواية عن ابن علية، والأصم، وإن كان الأصم لا يعتد به في الإجماع -كما سبق-. اهـ.

وقال ابن قدامة في المغني: قال ابن المنذر: وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض، وقال إسحاق: هو كالإجماع من أهل العلم، وزعم ابن عبد البر أن بعض المتأخرين من أصحاب مالك، وداود يقولون: هي سنة مؤكدة. اهـ.

وهذا الخلاف الذي أشار له ابن عبد البر خلاف ضعيف، غير معتبر، كما صرح بذلك في التمهيد، حيث يقول: والقول بوجوبها من جهة اتباع سبيل المؤمنين واجب أيضًا؛ لأن القول بأنها غير واجبة شذوذ، أو ضرب من الشذوذ. اهـ

فتحصل مما سبق أن القول بعدم وجوب زكاة الفطر قول ضعيف لا يعتد به، وهو مبني على أن الأمر بها قد نسخ، كما صرح بذلك ابن عبد البر في التمهيد، نقلًا عن الطبري، حيث قال: قال أبو جعفر الطبري: أجمع العلماء جميعًا لا اختلاف بينهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصدقة الفطر، ثم اختلفوا في نسخها، فقال قيس بن سعد بن عبادة؛ كان النبي عليه السلام يأمرنا بها قبل نزول الزكاة، فلما نزلت آية الزكاة لم يأمرنا بها، ولم ينهنا عنها، ونحن نفعله، قال؛ وقال جل أهل العلم؛ هي فرض لم ينسخها شيء. اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني