الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يثاب مَن ترك العادة السرية خوفًا من الله؟

السؤال

هل يمكن لشخص أن يقول: إن مسألة الاستمناء فيها خلاف، فلا عيب في فعلها؟ وهل يمكن لشخص أن لا يأخذ بآراء جمهور الفقهاء ويأخذ برأي شخص أو عالم لأنه يوافق هواه؟ وهل العالم يعد حجة أم الدليل الذي يعتد به؟ وما الرأي القاطع في المسألة؟
وأنا أقول: لو أن العلماء حضروا هذه الأيام، ورأوا الإنترنت، والتلفاز لحرموا ذلك مطلقًا؛ لما فيه من الضرر، والفتنة، فلم يعد الأمر مقتصرًا على الفعل وحده، بل ما يحيط به، وأنا تركتها، ويريد الشيطان أن يغويني بالعودة إليها بحجج: منها أنها محل خلاف، فهل أنا مثاب على تركها؟ وهل إتيانها معصية؟
وما الرأي في من يقولون بتقليل المعدل، وما شابه؟ وهل الإقلاع النهائي هو المطلوب؟ وأريد معرفة أسلوب استنباط الحكم الشرعي؛ هل بكثرة العلماء أم بمكانة العالم أم بالدليل؟ علمًا أني أعرف أنها حرام، ولكن ليطمئن قلبي، ولا أريد إتيانها بأي حجة -لا خشية الزنا، ولا أي حجة أبدًا-. أفيدونا لأن هناك مغرضين يحلون الباطل بحجج واهية.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالحمد لله الذي منّ عليك بالتعافي من الاستمناء، ونسأله -سبحانه- أن يثبتك على ذلك.

وقد بيّنّا في الفتوى رقم: 7170 أن جمهور العلماء يرون تحريم العادة السرية، وذكرنا أدلة التحريم، وكيفية التخلص من تلك العادة الذميمة.

وإذا ثبت التحريم، فقليلها وكثيرها حرام، فلا يجوز تقليل المعدل، وإنما الواجب الترك مطلقًا.

ولا يجوز الأخذ بقول فقهي بمجرد الهوى، وإنما الواجب اتباع الراجح؛ سواء تبين بالدليل أم بكونه قول العالم الأوثق في نفس العامي، ونحو ذلك، وانظر الفتوى رقم: 287389.

ونرجو لك -إن تركتها خوفًا من الله- أن تثاب على ذلك؛ جاء في شرح النووي على مسلم في ترك المعصية: قال المازري: ... فإن تركها خشية لله تعالى كتبت حسنة، كما في الحديث: إنما تركها من جراي. فصار تركه لها لخوف الله تعالى، ومجاهدته نفسه الأمارة بالسوء في ذلك، وعصيانه هواه. انتهى.

بل ترك هذا النوع من الذنوب الذي تدعو إليه النفس فيه فضيلة خاصة؛ ففي الحديث عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله ليعجب من الشاب ليست له صبوة. رواه أحمد. وقال محققوه: حسن لغيره.

قال المناوي في فيض القدير شارحًا حديث: إنّ الله تَعَالَى لَيَعْجَبُ مِنَ الشَّابّ لَيْسَتْ لهُ صَبْوة: ... (من الشاب) أي: يعظم عنده قدرًا، فيجزل له أجره؛ لكونه (ليست له صبوة) أي: ميل إلى الهوى بحسن اعتياده للخير، وقوة عزيمته في البعد عن الشر. قال حجة الإسلام: وهذا عزيز نادر؛ فلذلك قرن بالتعجب. وقال القونوي: سره أن الطبيعة تنازع الشاب، وتتقاضاه الشهوات من الزنا، وغيره، وتدعوه إليها على ذلك ظهير، وهو الشيطان، فعدم صدور الصبوة منه من العجب العجاب ... انتهى.

وقال ابن رجب في فتح الباري في السبعة الذين يظلهم الله: والثاني: الشاب الَّذِي نشأ فِي عُبَادَة الله -عز وجل-. فإن الشباب شعبة من الجنون، وَهُوَ داع للنفس إلى استيفاء الغرض من شهوات الدنيا، ولذاتها المحظورة، فمن سلم مِنْهُ فَقَدْ سلم. وفي الحَدِيْث: ((عجب ربك من شاب ليست لَهُ صبوة)). وفي بعض الآثار: يَقُول الله: ((أيها الشاب التارك شهوته، المتبذل شبابه من أجلي، أنت عندي كبعض ملائكتي)). انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني