الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مَن تكلم بكلام فيه اعتراض على القدر وتسخط

السؤال

طلبت مني أمي الحديث من الهاتف الخاص بي؛ فتسببت في اتساخه، فبللت الهاتف بالماء، وجففته، وخفت أن يتعرض للتلف.
ملاحظة: كانت أمي تتكلم في الهاتف، بسبب مشكلة بينها وبين أخي، ثم قلت لها: لو لم تغضبي أخي، لما كانت هناك حاجة لأن تتكلمي من الهاتف؛ وبالتالي كنت لن تتحدثي من الهاتف، وكان الهاتف لن يتسخ، وأغسله، ويتعرض للتلف، فهل أكفر بذلك؟ وهل أكفر لو اعتقدت أن ما حدث كان سيتغير فعلًا لو لم تحدث مشكلة بين أمي وأخي؟ وهل يجب إبلاغ من سمعني أقول ذلك بأني على خطأ؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فكان حقًّا عليك- أخي السائل- بدلًا من الانشغال بتكفير نفسك، أن تنشغل بإرضاء أمك؛ ففيه الخير الكثير، وحقها عند الله عظيم، كما لا يخفى، وإنا لنرجو إن بررتها، أن يغفر لك ما أخطأت فيه من الاعتراض على القدر؛ فبر الوالدين من أعظم كفارات الذنوب، جاء في مطالب أولي النهى: (وَنَقَلَ) أَبُو بَكْرٍ (الْمَرُّوذِيُّ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ: نِسْبَةً إلَى مَرْوِالرَّوْذِ: أَحَدُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: - (بِرُّ الْوَالِدَيْنِ كَفَّارَةُ الْكَبَائِرِ) لِأَنَّ رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَاهُمَا، وَسَخَطُهُ فِي عُقُوقِهِمَا. انتهى.

وما قلته محرم، لا يجوز؛ لما فيه من الاعتراض على القدر، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك، فقال: إن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان. رواه مسلم. وانظر الفتوى رقم: 71197، ورقم: 119870.

فبادر بالتوبة إلى الله من ذلك.

ولا يصل ذلك للكفر، بل من أهل العلم من حمل النهي عن قول "لو..." في الحديث السابق، على التنزيه، قال القاضي عياض: قال القاضي: فالذي عندي في معنى الحديث، أن النهي على ظاهره، وعمومه، لكنه نهي تنزيه. ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: فإن لو تفتح عمل الشيطان، أي يلقي في القلب معارضة القدر، ويوسوس به الشيطان. هذا كلام القاضي، قلت: وقد جاء من استعمال لو في الماضي، قوله صلى الله عليه وسلم: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما سقت الهدي. وغير ذلك. فالظاهر أن النهي إنما هو عن إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه، فيكون نهي تنزيه، لا تحريم، فأما من قاله تأسفًا على ما فات من طاعة الله تعالى، أو ما هو متعذر عليه من ذلك، ونحو هذا، فلا بأس به، وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث. والله أعلم. انتهى.

وحتى لو قلنا بالتحريم، لا سيما إذا اشتمل على التسخط؛ فالتسخط -مع تحريمه- ليس كفرًا، وإنما فيه تفصيل، بيناه في الفتوى رقم: 133564.

ولا يلزمك أن تتوب أمام من سمعك، وإنما يلزمك التوبة إلى الله؛ فالذنب مختص بحق الله تعالى.

وقد تبين من أسئلتك أنك مصاب بالوسوسة؛ فنسأل الله أن يعافيك من الوسوسة.

وننصحك بملازمة الدعاء، والتضرع، وأن تلهى عن هذه الوساوس، ونوصيك بمراجعة طبيب نفسي ثقة.

ويمكنك مراجعة قسم الاستشارات من موقعنا، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 3086، 51601، 147101، وتوابعها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني