الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل ورد أن الشخص يذنب فتصيب من حوله مصيبة ليتعظ بها العاصي؟

السؤال

(ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبًا من دارهم حتى يأتي وعد الله)، هل الذي يعصي الله لكنه مؤمن ومسلم موحد تنطبق عليه الآية السابقة؟
إذا عصى المسلم ربَّه فقد تصيبه مصيبة، وهذا لا شك فيه، لكن بخصوص أن تصيب من حوله مصيبة ليتعظ بها، هل من الممكن أن يعمل معصية، فيقع غيره في مصيبة تجعله يتعظ بها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنا لم نعثر على نص يفيد أنه قد يذنب المؤمن، فتصيب من حوله مصيبة؛ ليتعظ بها العاصي الناجي من العذاب، ولكنه قد يمهل الله بعض العصاة المؤمنين، ويعاقب عصاة آخرين، فيتعظ السالمون بذلك، ويعتبرون، ويتوبون، وقد ينزل العذاب بسبب ذنوب بعض العصاة، ويعم العذاب الجميع، ولا يسلم منه إلا من نهى عن المنكر، ويدل لهذا قول الله عز وجل: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً {الأنفال:25}.

وقالت زينب بنت جحش: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث. متفق عليه

وعن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا ظهرت المعاصي في أمتي، عمهم الله عز وجل بعذاب من عنده... رواه أحمد، وصححه الألباني.

قال ابن قتيبة في مختلف الحديث: فأما عقاب الله تعالى إذا هو أتى، فيعم، وينال المسيء والمحسن، قال الله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} يريد: أنها تعم، فتصيب الظالم، وغيره، وقال عز وجل: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا}، وقالت أم سلمة: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ فقال: نعم، إذا كثر الخبث. اهـ.

وقال السعدي: واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، بل تصيب فاعل الظلم، وغيره، وذلك إذا ظهر الظلم، فلم يغير، فإن عقوبته تعم الفاعل، وغيره، وتقوى هذه الفتنة بالنهي عن المنكر، وقمع أهل الشر والفساد، وأن لا يمكنوا من المعاصي، والظلم مهما أمكن. اهـ.

وقال شيخ الإسلام في السياسة الشرعية: صلاح العباد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن صلاح المعاش، والعباد في طاعة الله ورسوله، ولا يتم ذلك إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبه صارت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، قال الله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}، وقال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}، وقال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}، وقال تعالى عن بني إسرائيل: {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}، وقال تعالى: {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون}، فأخبر الله تعالى أن العذاب لما نزل نجى الذين ينهون عن السوء، وأخذ الظالمين بالعذاب الشديد، وفي الحديث الثابت: أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- خطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية، وتضعونها في غير موضعها: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الناس إذا رأوا المنكر، فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده}، وفي حديث آخر: {إن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، ولكن إذا ظهرت فلم تنكر ضرت العامة}. اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني