الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم التحدث بالكرامات وما دلالتها لمن تحصل له؟

السؤال

هل يجوز ذكر الكرامات للناس إن وقع من ذلك شيء، أم يجب ستره؟
هل فيه تزكية للنفس إن قالها للناس؟ وهل يستحب قولها للناس؟ وهل هي بشارة للمؤمن؟ وما هي الشروط للوصول إلى تلك المرتبة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنه لا حرج في حديث الشخص عما أكرمه الله تعالى به، من باب شكر الله، والتحدث بنعمته؛ فقد قال الله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {الضحى / 11}

وروى الطبري في التفسير عن أبي نضرة قال: كان المسلمون يرون أن من شُكْرِ النعم، أن يحدّثَ بها. انتهى.

وقال ابن العربي: إذا أصبت خيراً، أو علمت خيراً، فحدث به الثقة من إخوانك، على سبيل الشكر، لا الفخر والتعالي، وفي المسند مرفوعاً: من لم يشكر القليل، لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس، لم يشكر الله، والتحدث بالنعمة شكر، وتركها كفر... اهـ.

وقال السعدي رحمه الله: وهذا يشمل النعم الدينية، والدنيوية ( فَحَدِّثْ ) أي : أثن على الله بها، وخصصها بالذكر إن كان هناك مصلحة، وإلا فحدث بنعم الله على الإطلاق، فإن التحدث بنعمة الله، داع لشكرها، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها، فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن. انتهى.

ويحسن عدم الحديث عن النعم بحضرة من يخشى حسده.

فقد قال شيخ الإسلام في الفتاوى: أعظم النعمة: الإقبال والتعبد، ولكلِّ نعمة حاسدٌ على قَدْرها؛ دَقَّت أو جَـلَّت، ولا نعمةَ أعظم من هذه النعمة، فإنَّ أنفسَ الحاسدين متعلقةٌ بها، وليس للمحسود أسلم من إخفاء نعمته عن الحاسد، وقد قال يعقوب ليوسف عليهما السلام: (لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً) الآية. اهـ.

ويمنع الحديث بالكرامات على سبيل الفخر، وتزكية النفس، وادعاء الولاية.

فقد قال ابن القيم -رحمه الله- في الروح: والفرق بين التحدث بنعم الله، والفخر بها: أن المتحدث بالنعمة، مخبر عن صفات مُولِيها، ومحض جوده وإحسانه؛ فهو مُثْنٍ عليه بإظهارها والتحدث بها، شاكرا له، ناشرا لجميع ما أولا ، مقصوده بذلك إظهار صفات الله، ومدحه والثناء عليه، وبعث النفس على الطلب منه دون غيره، وعلى محبته ورجائه، فيكون راغبا إلى الله بإظهار نعمه، ونشرها، والتحدث بها. وأما الفخر بالنعم: فهو أن يستطيل بها على الناس، ويريهم أنه أعز منهم وأكبر، فيركب أعناقهم، ويستعبد قلوبهم، ويستميلها إليه بالتعظيم والخدمة . قال النعمان بن بشير: إن للشيطان مصالي وفخوخا، وإن من مصاليه وفخوخه: البطش بنعم الله، والكبر على عباد الله، والفخر بعطية الله في غير ذات الله. اهـ.

وقد ذكر أهل العلم أن الكرامات والخوارق لا تدل بالضرورة على ولاية صاحبها.

فقد قالَ القرْطبيُّ رَحِمَهُ الله ُ فِي تفسِيرِهِ، عِنْدَ قوْل ِاللهِ تَعَالىَ: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ {البقرة:34}: قالَ عُلمَاؤُنا -رَحْمَة ُاللهِ عَليْهمْ-: «وَمَنْ أَظهَرَ الله ُ تَعَالىَ عَلى يَدَيْهِ مِمَّنْ ليْسَ بنَبيٍّ، كرَامَاتٍ، وَخَوَارِقَ لِلعَادَات: فليْسَ ذلِك َدَالا ًّ عَلى وَلايتِه. خِلافا لِبَعْض ِالصُّوْفِيَّةِ، وَالرّافِضَةِ، حَيْثُ قالوْا: إنَّ ذلِك َ يَدُلُّ عَلى أَنهُ وَلِيٌّ, إذْ لوْ لمْ يَكنْ وَلِيًّا مَا أَظهَرَ الله ُعَلى يَدَيْهِ مَا أَظهَر!. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني