الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يجوز للرجل احتضان أجنبية بزعم أنها في سن ابنته

السؤال

لدي صديقة قريبة جدًّا مني، هي حديثة الإسلام، ذلك ما جعلني أتعلق بها أكثر لأرشدها إلى كل خير وصواب.
عند إسلامها تركت كل أهلها وأقاربها؛ لأنهم كانوا يرفضون فكرة إسلامها، ويعرضونها لأشد أنواع الأذى. عندما تركت أهلها عاشت في بيت صديقتها ستّة أشهر.
سألتها مرة: كيف تتعاملين مع أهل صديقتك؟
أجابت بأن والدها أشعرني بأنه والدي الذي تركته رغم حبي الشديد له بسبب الإسلام، ولم أشعر بأي فرق من حيث المعاملة بيني وبين ابنته، هو كبير السن مثل أبي، عندما يريد السفر أو الذهاب يحتضن ابنته، وأنا أيضًا لأني ابنته. قلت لها: أليس رجلًا أجنبيًّا؟ قالت: لكني لا أعتبره إلا أبي، وهو يعتبرني ابنته لأني فقدت كل أهلي.
الآن أريد أن أدلها، لا أريدها أن تقع في الخطأ، لا سيما أنها إنسانة حريصة جدًّا على فعل الطاعات والسنن، وترك كل صغيرة وكبيرة من الذنوب، وتفهم أمورًا كثيرة في الإسلام، لكنّي أشفقت من إجابتها حين قالت أنها تريد والدًا، ولم أجد إجابة تقنعها.
بماذا تنصحونني؟ وهل فعلها صحيح أم خاطئ؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنهنئ هذه الأخت على نعمة اعتناقها الإسلام، فهذه نعمة عظيمة تنال بها -بإذن الله- سعادة الدنيا والآخرة، ونسأل الله تعالى لها التوفيق والثبات على الحق حتى الممات، وينبغي لها -شكرًا على هذه النعمة- أن تعمل على كل ما يعينها على دوام الاستقامة والحذر من الانحراف، ويمكن الاستعانة بما في الفتاوى التالية أرقامها: 1208، 10800، 12928.

وقد أحسنت هذه الأسرة حين ضمتها إليها، وقامت برعايتها؛ فجزاهم الله خيرًا.

ومن حق رب هذه الأسرة عليها: تقديره، واحترامه، ومعرفة فضله عليها، فحفظ الجميل وعدم نكران المعروف من الصفات الجليلة، ولذا فإن أكرم الأكرمين يجازي بالحسنات إحسانًا، قال تعالى: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ {الرحمن:60}. هذا مع أنه لا تنفعه طاعة المطيع.

وحفظ الجميل من أخلاق النبوة، فهذا يوسف -عليه السلام- قال الله -عز وجل- عنه: وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {يوسف:23}. فأبى أن يقابل إحسان العزيز إليه بالإساءة إليه في عرضه متذكّرًا جميل إحسانه إليه.

وبشأن نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- جاء حديث البخاري عن جبير بن مطعم -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في أسارى بدر: "لو كان المطعم بن عدي حيًّا، ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له". قال ابن الجوزي في كشف المشكل: إنما خص المطعم بهذا، لأنه لما مات عمه أبو طالب، وماتت خديجة، خرج إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة، فأقام بها شهرًا، ثم رجع إلى مكة في جوار المطعم بن عدي، فأحب مكافأته لو أمكن. اهـ.

فالحاصل: أن حفظ الجميل خصلة كريمة، واحترامها لهذا الرجل واعتبارها له بمثابة الأب أمر حسن، ولكن هذا لا يجعله أبًا شرعًا، ولا تخرجه عن كونه أجنبيًّا عنها، فلا يجوز لها تمكينه من لمسها، فضلًا عن ضمها، ولا تضع حجابها عنده، أو تمكنه من الخلوة بها، ونحو ذلك مما لا يجوز فعله مع الأجنبي. فلا شك في أنها أخطأت خطأ بيّنًا بتمكينه من معانقتها وضمها؛ فابذلي لها النصح في ذلك بأسلوب حسن، وفي الوقت المناسب الذي تكون فيه أرجى لتقبل النصح.

ونوصي في الختام بإعانتها والبحث معها عن رجل صالح يتزوجها تسكن إليه ويزول عنها الحرج معه، وقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ{المائدة:2}، وانظري الفتوى رقم 18430.

وإن كانت متزوجة من رجل كافر، فإن دخل في الإسلام قبل انتهاء عدتها منه فهما على نكاحهما، وإلا بانت منه، كما هو مبين في الفتوى رقم: 25469.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني