الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم هجران العصاة والحزن عليهم

السؤال

أخي عرض نفسه للأمراض النفسية باللهو واللعب في الأمور المحرمة، وينتسب للإسلام، وهو أخي الشقيق، لكنني لا أرى مصلحة دينية في مخالطته، وأخشى يوما أن ينهار، لكنني لا أملك له شيئا، وقد خرب عقله، فلا أملك له إلا الدعاء، ولا أرضى فعله، ونحن لم نر منهم استجابة ويهلكون أنفسهم، فهل نحزن عليهم؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنا نسأل الله لنا ولكم العافية في ديننا ودنيانا، ونوصيك بالسعي في هداية أخيك وأخذ يده لطريق التوبة والاستقامة على الدين، وأن لا تبتعد عن مخالطته إلا إذا كنت تخشى على دينك، أو كنت تعلم أن هجره سيفضي به للتوبة، وإن كان الهجر لا يؤثر عليه لوجود أصحاب وأقارب آخرين يأنس بهم عنك ويستعين بهم، فليس في هجره فائدة، بل هو مخالف لمنهج الأنبياء، فإنهم ما هجروا أقوامهم مع حرصهم على الشرك وتماديهم عليه، فقد صبر نوح ـ عليه السلام ـ يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله ليلا ونهارا سرا وجهارا، واعلم أن هجر أصحاب المعاصي ليس مقصوداً لذاته، إنما المقصود صلاح أحوال العباد، فإذا كان الهجر سبباً في كف العاصي وصلاح حاله كان الهجر حسناً بل قد يكون واجباً في بعض الأحوال، وإذا كانت المخالطة سبباً في حصول تلك المصالح كانت المخالطة أولى من الهجر قال في الفواكه الدواني: وإنما يقتصر المكلف على هجران المجاهر إذا كان لا يصل إلى عقوبته، أي لا قدرة له على زجره عنها، إذا كان لا يتركها إلا بالعقوبة، ولا يقدر على موعظته، لشدة تجبره، أو يقدر، لكن لا يقبلها، لعدم عقل ونحوه، وأما لو كان يتمكن من زجره عن مخالطة الكبائر بعقوبته بيده إن كان حاكماً، أو في ولايته، أو برفعه للحاكم أو بمجرد وعظه، لوجب عليه زجره وإبعاده عن فعل الكبائر، ولا يجوز له تركه بهجره، والحاصل أن المتجاهر بالكبائر لا يجب هجرانه مع بقائه على مخالطة الكبائر، إلا عند العجز عن زجره. انتهى.

وأما الحزن على العصاة: فليس مطلوبا من العبد، ولكنه أمر فطري يحصل عادة بسبب الشفقة على العصاة والخوف عليهم من العذاب، وقد حصل للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عليه: ولا تحزن عليهم ـ قال ابن كثير رحمه الله:
يقول تعالى مسليا رسوله صلى الله عليه وسلم في حزنه على المشركين، لتركهم الإيمان وبعدهم عنه، كما قال تعالى: فلا تذهب نفسك عليهم حسرات {فاطر: 8} وقال: ولا تحزن عليهم {النحل: 127} وقال: لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين {الشعراء: 3} باخع: أي: مهلك نفسك بحزنك عليهم، ولهذا قال: فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث ـ يعني: القرآن: أسفا ـ يقول: لا تهلك نفسك أسفا، قال قتادة: قاتل نفسك غضبا، وحزنا عليهم، وقال مجاهد: جزعا والمعنى متقارب، أي: لا تأسف عليهم، بل أبلغهم رسالة الله، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات.

وراجع الفتوى رقم: 190161.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني