الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من طلق زوجته ثلاثًا عبر رسالة جوال في طهر جامعها فيه

السؤال

أنا متزوج من نصرانية، وقد طلقتها ٣ طلقات في جلسة واحدة عبر رسالة إلكترونية عن طريق الهاتف النقال، وفي طهر جامعتها فيه، فهل يقع الطلاق؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الطلاق المكتوب يقع إن قصد الكاتب به الطلاق، سواء أكان طلقةً أم ثلاثًا، قال الشيخ زكريا الأنصاري في أسنى المطالب مع متن روض الطالب: كَـتْبُ الطلاقِ ولو صريحاً كنايةٌ، ولو من الأخرس، فإنْ نوى به الطلاق، وقع، وإلا فلا. اهـ.

وقال: لو كَتَبَ: أنتِ أو زوجتي طالقٌ، ونوى الطلاق، طلُقَت، وإن لم يصل كتابُه إليها؛ لأن الكتابة طريق في إفهام المراد، كالعبارة، وقد اقترنت بالنية، فإن لم ينو لم تطلق؛ لأن الكتابة تحتمل النسخ، والحكاية، وتجربة القلم، والمداد، وغيرها. اهـ.

وأما طلاقك إياها في طهر جامعتها فيه، ولم تعلم حملَها، فمحرم، ونُقل على حرمته الإجماع، وهو من الطلاق البدعي، قال ابن تيمية: فإن طلقها وهي حائض، أو وطئها، وطلقها بعد الوطء قبل أن يتبين حملها، فهذا طلاق محرم، بالكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين، وتنازع العلماء: هل يلزم، أو لا يلزم؟ على قولين. اهـ.

والمفتى به عندنا في الشبكة الإسلامية هو مذهب جمهور علماء الأمة من السلف والخلف، وهو وقوع الطلاق البدعي، وذهب بعض أهل العلم ـ منهم شيخ الإسلام ابن تيمية ـ إلى عدم الوقوع، وهذا القول له اعتباره، وقوته، وعليه العمل في المحاكم الشرعية لبعض الدول الإسلامية، وكذا المفتى به عندنا: وقوع طلاق الثلاث ثلاثاً إذا كان بتكرار لفظ الطلاق، ونويت به إيقاع الثلاث.

أما إذا نويت به تأكيد الأول، فلا، قال ابن قدامة في المغني: فإن قال: أنت طالق، طالق، طالق، وقال: أردتُ التوكيدَ.. قُبِل منه؛ لأن الكلام يكرَّر للتوكيد، كقوله عليه السلام: فنكاحها باطل، باطل، باطل ـ وإن قَصَد الإيقاع، وكرر الطلقات.. طَلُقت ثلاثاً، وإن لم ينو شيئًا.. لم يقع إلا واحدة؛ لأنه لم يأت بينهما بحرفٍ يقتضي المغايرة، فلا يكنَّ متغايرات، وإن قال: أنت طالق، وطالق، وطالق، وقال: أردت بالثانية التأكيد.. لم يُقبَل؛ لأنه غاير بينها وبين الأولى بحرف يقتضي العطف والمغايرة، وهذا يمنع التأكيد. اهـ.

أما إذا كنتَ قد كتبتَ: أنتِ طالق ثلاثاً، أو طالق ثلاث مرات، بذكر العدد، لا بتكرار لفظ الطلاق، وقعت ثلاثاً، وإن قصدت واحدةً، قال ابن قدامة: وجملة ذلك أن الرجل إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثًا، فهي ثلاث وإن نوى واحدة، لا نعلم فيه خلافًا؛ لأن اللفظ صريح في الثلاث، والنية لا تعارض الصريح؛ لأنها أضعف من اللفظ؛ ولذلك لا نعمل بمجردها، والصريح قويٌّ يُعمل بمجرده من غير نية، فلا يعارَض القويُّ بالضعيف، كما لا يعارض النص بالقياس، ولأن النية إنما تعمل في صرف اللفظ إلى بعض محتملاته، والثلاث نص فيها، لا يحتمل الواحدة... أما إذا قال: أنت طالق واحدة، ونوى ثلاثًا، لم يقع إلا واحدة؛ لأن لفظه لا يحتمل أكثر منها. اهـ. وانظر في الفتوى رقم: 220834.

وقد ذهب بعض أهل العلم من السلف والخلف ـ واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ إلى أنه لا يقع إلا واحدةً، لكون إيقاعه في جملة واحدة طلاقًا بدعيًّا محرمًا، ولأدلةٍ من السنة استدلوا بها، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وإن طلقها ثلاثًا بكلمة، أو بكلمات في طهر واحد قبل أن يراجعها مثل أن يقول: أنت طالق ثلاثًا، أو: أنت طالق ألف طلقة، أو: أنت طالق أنت طالق، أنت طالق، ونحو ذلك من الكلام، فهذا حرامٌ عند جمهور العلماء من السلف والخلف، وهو مذهبُ مالك، وأبي حنيفة، وأحمدَ، وظاهرُ مذهبه، وكذلك لو طلقها ثلاثًا قبل أن تنقضي عدتها: فهو أيضًا حرام عند الأكثرين، وهو مذهب مالك، وأحمد في ظاهر مذهبه... فهذا فيه قولان للعلماء، أحدهما: يلزمه الثلاث، والثاني: لا يلزمه إلا طلقة واحدة، وله أن يرتجعها في العدة، وينكحها بعقد جديد بعد العدة، وهذا قول كثير من السلف، والخلف، وهو قول طائفةٍ من أصحاب مالك، وأبي حنيفة، وأحمد ابن حنبل، وهذا أظهر القولين، لدلائل كثيرة. اهـ.

والمفتى به عندنا ما ذكرنا، ولمن بدا له تقليد القول الآخر، أو التحاكم إلى محاكم تفتي به، وتخالف ما نفتي به.. فله ذلك، ما لم يكن نابعًا عن مجرد الهوى، وتتبع الرخص.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني