الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طاعة الأب في المشقة المحتملة غير الضارة

السؤال

أحب أن أعرض عليكم مشكلتي مع والدي:
أنا شاب في الـ 15 من عمري، وأبي كبير بالعمر، ولي إخوة أكبر مني بكثير، لكن أبي يعتمد عليّ أنا لأن إخواني كلهم بالخارج.
هناك مشكلة من فترة طويلة تلازمني: إن أبي دائما يطلب مني طلبات لا أقدر أن أنفذها، يعني أخرج أهلي، ولا أذهب أصلح السيارة، يعني أشياء أكبر من عمري، وممنوع أفعل.
المهم: أبي أيضًا يطلب عدة طلبات، وتكون كلها أثقل من بعض، وأنا والله ما أقصر، وأبذل كل الذي أقدر عليه، لكن دائمًا كل مرة يظهر شيء يخرب على البقية، ويجعل أبي يتعصب، وأبي ما يضرب! أبي يشتم، وخاصة أمام الناس وأصحابه وأصحابي، وشتائمه ما تكون عادية (مثل: غبي) لا! شتائمه تكون كبيرة، ودائما تكسر ظهري، وأغلبها تكون: أنت عاهرة. (وأخواتها).
والذي كسر ظهري آخر فترة أنه جاءني طفل في الخامسة من عمره قال لي: أبوك قال لك كذا وكذا. وصار يقول إياه الطفل بكل أريحية، وأنا ما أعيره أي انتباه.
وأنا من وراء ذلك الشيء أصابتني كآبة، وصرت لا أذهب إلى المسجد، ولا أخرج، ولا أصنع شيئًا، فقط قاعد بالبيت، وصرت أنام 14 ساعة متواصلة حتى ما أرى وجه أبي، ولا يطلب مني طلبًا، وأنا أعرف أني سأخطئ، وسيسبني أمام الناس، مع أني حاولت أن أكلمه لكن من أول دقيقة يشتمني ويدعو عليّ، مع أني لست مقصرًا معه (أي: أنا ولد، وأمي مسافرة، وإخواني الأكبر مني، وما في غيري أنا معه وأخي الصغير،
وأنا كل يوم أنظف البيت، وأطبخ، وما إلى ذلك)، لكن إذا رأى شيئًا خطأ يصير وكأني ما صنعت شيئًا، حتى إنه يريد أن أكون الكل في الكل، وهذا خارج عن نطاق عقلي، مع أني ذكي، لكن من كثرة الطلبات لم أعد أقدر أفكر.
الآن -يا فضيله الشيخ- أريد أن آتي معه بالشرع لأني مللت من الناس كل يوم، وأنا قلت لواحد: كلم أبي.
هل يجوز أن يسبني بمثل هذا الكلام أمام الناس؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز لوالدك أن يسبّك بمثل تلك العبارات التي تشتمل على القذف ونحوه، كما بيّنّا ذلك في الفتوى رقم: 193969. لكن الواجب عليك برّ أبيك، ومصاحبته بالمعروف، مهما كان حاله، ومهما أساء إليك. ومن برّه: أن تطيعه فيما يأمرك به من المعروف، ما لم يكن عليك ضرر فيه، ولو كان عليك فيه مشقة محتملة؛ قال ابن تيمية -رحمه الله-: "وَيَلْزَمُ الْإِنْسَانَ طَاعَةُ وَالِدِيهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ أَحْمَدَ، وَهَذَا فِيمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ وَجَبَ، وَإِلَّا فَلَا".

واعلم أنّ برّ الوالد من أسباب التوفيق والفلاح في الدنيا والآخرة؛ فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الوالد أوسط أبواب الجنة؛ فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه". رواه الترمذي وابن ماجه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني