الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الموازنة بين إثم مظالم وسب العباد وإثم الغناء والمعازف

السؤال

هل إثم سماع الأغاني كإثم قول الكلمات البذيئه "السب" المعروفة هل هو نفس الإثم؟ وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن سب المسلم بغير حق أشد إثما، وأعظم جرما من سماع الغناء والمعازف المحرمة من حيث الأصل .

فمن السب المحرم ما هو كبيرة موبقة بالنص واتفاق العلماء في الجملة، وهو القذف ـ الذي هو رمي المحصن بالفاحشة ـ وكذلك ما سوى القذف من أنواع السب المحرم هي أشد من استماع الغناء والمعازف المحرمة، فقد تواترت النصوص في القرآن والسنة بتحريم سب المسلم دون حق، والوعيد بشأنه، وأجمع العلماء على ذلك، وانظري في بيان هذا الفتوى رقم: 18354، والفتوى رقم: 178747.

وسماع المعازف وإن كان محرما كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 212389 وإحالاتها؛ إلا أن وجه تعظيم سب المسلم بغير حق على سماع الغناء والمعازف المحرمة: أن السب مع تعلقه بحق الله، متعلق كذلك بعرض المسلم وحقه، وحقوق الآدميين مبنية على المشاحة والاستقصاء ـ بحيث تفتقر في التوبة منها إلى التحلل من حق المخلوق ـ بخلاف الغناء فهو متعلق بحق الله وحده، وليست متعلقة بحق مخلوق.

قال ابن القيم: الذنوب التي بين العبد وبين الله أسهل أمرا من مظالم العباد، فإنها تزول بالاستغفار، والعفو والشفاعة وغيرها، وأما مظالم العباد فلا بد من استيفائها، وفي المعجم للطبراني: الظلم عند الله يوم القيامة ثلاثة دواوين: ديوان لا يغفر الله منه شيئا، وهو الشرك بالله، ثم قرأ {إن الله لا يغفر أن يشرك به} [النساء: 48] وديوان لا يترك الله منه شيئا، وهو مظالم العباد بعضهم بعضا، وديوان لا يعبأ الله به شيئا، وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين الله.
ومعلوم أن هذا الديوان مشتمل على الكبائر والصغائر، لكن مستحقه أكرم الأكرمين، وما يعفو عنه من حقه ويهبه أضعاف أضعاف ما يستوفيه، فأمره أسهل من الديوان الذي لا يترك منه شيئا لعدله، وإيصال كل حق إلى صاحبه. اهـ. من مدراج السالكين.

ويبقى التنبيه على أن تعظيم ذنب على آخر إنما هو من جهة الأصل، إذ قد يقترن بالذنب ما يجعله أشد مما هو أكبر منه إثما من حيث الأصل، والعكس كذلك، قال ابن القيم: وهاهنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الكبيرة قد يقترن بها ـ من الحياء والخوف، والاستعظام لها ـ ما يلحقها بالصغائر، وقد يقترن بالصغيرة ـ من قلة الحياء، وعدم المبالاة، وترك الخوف، والاستهانة بها ـ ما يلحقها بالكبائر، بل يجعلها في أعلى رتبها.
وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب، وهو قدر زائد على مجرد الفعل، والإنسان يعرف ذلك من نفسه ومن غيره. اهـ. من مداج السالكين .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني