الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اختراق حسابات الآخرين وأثر ذلك على قبول الطاعات

السؤال

فضيلة الشيخ: جزاكم الله خير الجزاء على هذا الموقع، وما تقدمونه من العلم النافع. سؤالي فضيلة الشيخ هو:
أنا صغير في السن، عمري 18 سنة، أخترق حسابات بنكية لأشخاص يقيمون في الخارج، وأستعملها في شراء ملابس، أو أجهزة إلكترونية، وألبسها، أو أبيعها، وبعد بحثي في مواقع عديدة وجدت أن هذا فعل حرام، فسؤالي فضيلة الشيخ هو: هل صلاتي التي صليتها في ملابس مكتسبة من هذا الحرام صحيحة ومقبولة أم لا؟ وسمعت أن حياتي ذهبت كلها في الحرام؛ لأني عندما كنت أركب الحافلة للذهاب إلى المدرسة كنت أحيانًا أدفع من مال حرام، والملابس التي أذهب بها إلى المدرسة مكتسبة من الحرام، فالرجاء إفادتي، وشكرًا، وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن اختراق حسابات الآخرين، وشراء أشياء باسمهم، أو سحب أموالهم يعد احتيالًا، واعتداء على أموال الغير بدون وجه حق، وهو أمر محرم شرعًا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم حرامٌ عليكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا. متفق عليه

فالواجب عليك - إذن - أن تتوب إلى الله تعالى توبة صادقة مما كنت تفعل من اعتداء على حقوق الآخرين، وأن ترد لأصحاب الحسابات المذكورة ما أخذت منهم من أموال -إن أمكنك الوصول إليهم-، فإن عجزت عن الوصول إليهم بعد بذل ما وَسِعك، فلك أن تتصدق بالمال عنهم، مع ضمانه بحيث لو وجدتهم فيما بعد خيرتهم بين إمضاء ما فعلت وبين رد المال ويكون أجر الصدقة لك، وانظر الفتوى رقم: 259783.

وأما عن الصلوات التي صليتها في ملابس اشتريت بهذا المال المسروق، فإنها صحيحة عند جماهير أهل العلم مع الإثم؛ وذلك لانفكاك الجهة، فإن الإثم إنما يتعلقُ باكتساب الحرام، لا بالصلاةِ، قال ابن قدامة: إذا صلى في عمامة مغصوبة, أو في يده خاتم من ذهب, فإن الصلاة تصح; لأن النهي لا يعود إلى شرط الصلاة, إذ العمامة ليست شرطًا فيها. اهـ

ويقول القرافي في الفروق: الذي يصلي في ثوب مغصوب، أو يتوضأ بماء مغصوب، أو يحج بمال حرام، كل هذه المسائل عندنا سواء في الصحة، خلافًا لأحمد، والعلة ما تقدم أن حقيقة المأمور به من الحج، والسترة، وصورة التطهر قد وجدت من حيث المصلحة، لا من حيث الإذن الشرعي، وإذا حصلت حقيقة المأمور به من حيث المصلحة كان النهي مجاورًا، وهي الجناية على الغير، كما في الدار المغصوبة. اهـ

وجاء في شرح زاد المستقنع للشنقيطي: اختلف العلماء -رحمهم الله- في هذه المسألة على قولين:

فجمهور العلماء على أن الأرض المغصوبة تصح فيها الصلاة.

وذهب طائفة من العلماء إلى أن الأرض المغصوبة لا تصح فيها الصلاة، وهو مذهب الحنابلة -رحمة الله على الجميع-؛ لأنه منهي عن البقاء في هذه الأرض، فالصلاة باطلة، ويقولون: إن هذا مخرج على القاعدة الأصولية أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه.

والصحيح أن النهي فيه تفصيل، فإن رجع إلى ذات المنهي عنه اقتضى البطلان، وإن كان منفكًّا عن ذات المنهي عنه، فإننا نقول بانفكاك الحكم، فنقول: إن الصلاة في المكان المغصوب صحيحة، ولكن يأثم بالغصب، فهو آثمٌ من جهة الغصب، وصلاته صحيحة؛ لأنه فعل ما أمره الله من القيام، والقعود، والركوع، والسجود، وقد قال عليه الصلاة والسلام للمسيء صلاته: (إذا فعلت هذا، فقد تمت صلاتك)، فالصلاة صحيحة...

ثم قال: ويتفرع عليه أيضًا الأرض المحرمة، وهي المشتراة بمالٍ حرام، فإنهم يقولون: إنه لا تصح صلاته فيها، كأن يكون المال الذي اشترى به الأرض مالًا حرامًا، كمال يتيم، أو مالًا مغصوبًا، أو اشترى به ثوبًا، فإن الحكم كالحكم في الأرض. اهـ. وانظر الفتوى رقم: 24198.

وأما عن قبول صلواتك فذلك علمه إلى الله تعالى.

وبالنسبة لكونك كنت تركب الحافلة بمال حرام، وتذهب للمدرسة بمال حرام، فكفارة هذا كله التوبة، ورد الحقوق -كما سبق-.

وإذا صحت توبتك بشروطها، فإن الله يقبلها -إن شاء-، ولا أثر لحرمة المال على دراستك، وشهادتك إذا حصلت عليها بالطرق الصحيحة، ولك أن تتوظف، وتعمل بها وفق النظم المتبعة، وراجع - للفائدة - الفتوى رقم: 21329.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني