الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من وُكَّل في إيصال مال إلى أسرة فوَكَّل غيره فأعطاهم نصفه فقط

السؤال

سألت لقريب لي، يعمل في الخارج؛ عن أسرة تكون محتاجة لمساعدة؛ ليرسل لهم مبلغا ماليا، شهريا لوجه الله. والأسرة وجدتها عن طريق شيخ جاري في العمل. ولما وصل المبلغ، أوصلته للشيخ ليعطيه للأسرة المحتاجة. ولما قابلت رب الأسرة صدفة، وسألته عن المبلغ هل وصله كاملا أم لا؟ قال لي إن الشيخ أحرجه، وقال له وهو يعطيه المال: إن أسرة أخرى تحتاج مساعدة، وسأقسم المبلغ بينك وبين الأسرة الأخرى. أحرج رب الأسرة من الطلب، بالرغم من حاجته للمال، وهو ليس بالمبلغ الكبير جدا، وقال له: افعل ما تراه، وفعلا قسم الشيخ الوسيط المبلغ. والشيخ لم يقل لي أي شيء، ورب الأسرة قالي لي ألا أتكلم مع الشيخ في أي شيء.
هل ما فعله الشيخ حرام، وخيانة الأمانة؟
أشعر بتأنيب الضمير؛ لأن قريبي أوصاني بأن أعطي المبلغ في يد رب الأسرة، وأنا الذي أعطيته للشيخ ليوصله؛ لانشغالي في عدة أمور، ولثقتي به.
هل خنت الأمانة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فكان عليك أن تتولى إيصال المبلغ بنفسك إلى الأسرة؛ لأن صاحبه لم يأذن لك في توكيل غيرك في إيصاله، وبالتالي يُعد توكيلك لغيرك، تعديا يستوجب الضمان.

وقال الدردير المالكي في الشرح الكبير على مختصر خليل: ( و) منع ( توكيله) أي توكيل الوكيل غير المفوض، على ما ُوِّكل فيه؛ لأن الموكل لم يرض إلا بأمانته ( إلا أن ) يكون الوكيل ( لا يليق به) تَولِّى ما وُكِل عليه بنفسه، كوجيه في حقير، فله التوكيل، حيث علم الموكل بوجاهته، أو اشتهر الوكيل بها، وإلا فليس له التوكيل، وضمن إن وكل لتعديه. اهـ.

وراجع الفتوى رقم: 59473 حول مذاهب أهل العلم في حكم توكيل الوكيل غيره.

وبناء عليه، فإنك ضامن لما نتج عن تعديك في الوكالة، من عدم وصول المبلغ كاملا لأصحابه، إذ من الواضح أنهم إنما تنازلوا عن بعضه حياء من الشيخ، وهذا لا يبيح تصرفه ذاك، بل يجب رد ما بقي من المال إليهم، ما لم يتنازلوا عنه بطيب نفس.

قال ابن مفلح في الفروع: قال ابن الجوزي في المنهاج: وإن أخذ ممن يعلم أنه إنما أعطاه حياء، لم يجز الأخذ، ويجب رده إلى صاحبه. اهـ.

وقال مرعي بن يوسف الحنبلي في دليل الطالب: إن علم أنه أهدي حياء، وجب الرد. اهـ.

وقال الشيخ السعدي: من أهدى حياء، أو خوفا، وجب على المُهْدى إليه الرد، أو يعوضه عنها. اهـ.

وبالتالي فالحل -إذا لم يحصل تنازل صحيح من طرف رب الأسرة- هو أن تدفع له باقي المبلغ، ولك أن تعود به على الشيخ إن شئت.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني