الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

هل فضل الصدقة الوارد في هذه الرسالة كله صحيح، فهناك نقاط لا أعلم مدى صحتها؟ وهل يجوز العمل بالأحاديث الضعيفة في هذه المسألة؟
أرجو الإفادة بالتفصيل، وجزاكم الله خيرًا.
نَص الرسالة:
لماذا يختار الميت الصدقة لو رجع للدنيا؟
كما قال تعالى: (رب لوﻻ أخرتني إلى أجل قريب فأصدّق)، ولم يقل: لأعتمر. أو: لأصلي. أو: لأصوم.
قال أهل العلم: ما ذكر الميت الصدقة إلا لعظيم ما رأى من أثرها بعد موته؛ فأكثروا من الصدقة، فإن المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته، وتصدقوا عن موتاكم؛ فإن موتاكم يتمنون الرجوع للدنيا ليتصدقوا ويعملوا صالحًا، فحققوا لهم أمنيتهم، وعودوا أبناءكم على ذلك.
تصدقوا إن الله يجزي المتصدقين. لو علم المتصدق حقّ العلم وتصور أن صدقته تقع في يد الله قبل يد الفقير، لكانت لذّة المعطي أكبر من لذة الآخذ. (ابن القيم).
هل قرأت عن فوائد الصدقة؟
اسمعوا يا متصدقين أنتم ومن يعمل لإيصال الصدقة:
1. الصدقة باب من أبواب الجنة.
2. الصدقة أفضل الأعمال الصالحات، وأفضل الصدقة إطعام الطعام.
3. الصدقة تظل صاحبها يوم القيامة، وتفك صاحبها من النار.
4. الصدقة تطفئ غضب الرب، وحـر القبور.
5. الصدقة خير ما يُهدى للميت، وأنفع ما تكون له، ويربيها الله -عز وجل-.
6.الصدقة تطهـير وتزكية للنفس، ومضاعفة الحسنات.
7. الصدقة سبب سرور المتصدق ونضرة وجهه يوم القيامة.
8. الصدقة أمان من الخوف يوم الفزع الأكبر وعدم الحزن على ما فات.
9. الصدقة سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات.
10. الصدقة من المبشرات بحسن الخاتمة، وسبب لدعاء الملائكة.
11. المتصدق من خيار الناس، والصدقة ثوابها لكل من شارك فيها.
12. صاحب الصدقة موعود بالخير الجزيل والأجر الكبير.
13. الإنفاق من صفات المتقين، والصدقة سبب لمحبة عباد الله للمتصدق.
14. الصدقة أمارة من أمارات الجود، وعلامة من علامات الكرم والسخاء.
15. الصدقة سبب في استجابة الدعوة وكشف الكربة.
16. الصدقة تدفع البلاء، وتسد سـبعـين بابًا من السوء في الدنيا.
17. الصدقة تزيد في العـمر، وتزيد في المـال، وسبب في الرزق والنصر.
18. الصدقة عـلاج، ودواء، وشـفاء.
19. الصدقة تمنع الحـرق، والغـرق، والسـرقة، وتمنع ميتة السوء.
20. الصدقة أجرها ثابت ولو كانت على البهائم أو الطيور.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فجمهور العلماء يُجيزون العمل بالضعيف في الفضائل -ومنها هذه المسألة- بشروط ذكرناها بالفتويين: 41058، 19826.

وعامة ما جاء في الرسالة صحيح، ولكن استوقفنا منها أشياء:

أحدها: قوله: (ما ذكر الميت الصدقةَ إلا لعظيم ما رأى من أثرها بعد موته)، فهذه عبارة غير صحيحة؛ فالآية في المحتضر، وليست في الميت، وليس فيها أنه رأى فضل الصدقة، بل ظاهرها أنه رأى أمارات تقصيره؛ جاء في تفسير ابن كثير عند تفسيره لقول الله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100): يخبر تعالى عن حال المحتضر عند الموت، من الكافرين أو المفرطين في أمر الله تعالى، وقيلهم عند ذلك، وسؤالهم الرجعة إلى الدنيا، ليصلح ما كان أفسده في مدة حياته؛ ولهذا قال: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا}، كما قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 11،10]. وانظري الفتوى رقم: 244069.

وأما تخصيص الصدقة في الآية: فقد يكون لعلة غير ما جاء في الرسالة؛ قال د/ فاضل السامرائي: ويلاحظ أنه قدم الصدقة على الصلاح مع أن الصلاح أهم؛ وذلك لأن الله قد أمر في الآيات السابقة بالإنفاق، ونهى عن الانشغال بالأموال عن طاعته ... بتصرف من كنوز قرآنية. د/ هشام عبد الجواد.

ثانيًا: قوله: (الصدقة أفضل الأعمال الصالحات). هذه العبارة فيها نظر، ويمكن أن تُصاغ بلفظ: الصدقة من أفضل الأعمال الصالحة.

وراجعي الفتويين: 158421، 102104.

ثالثًا: جملة: (تسد سـبعـين بابًا من السوء في الدنيا). ورد في ذلك حديث، لكنه لم يصح؛ أخرجه الخطيب في تاريخه، وابن الجوزي في البرّ والصلة، ولفظ الخطيب: "الصدقة تمنع سبعين نوعًا من أنواع البلاء، أهونها الجذام والبرص". وضعفه العراقي في تخريج الإحياء، والصنعاني في التنوير، والألباني في ضعيف الجامع.

رابعًا: قوله: (الصدقة تمنع الحـرق ، والغـرق). هذا قد ورد في حديث أخرجه ابن طولون في "الأحاديث المائة" (83): من طريق: موسى بن إسماعيل عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تدفع الصدقة الهم والدبيلة والغرق والحرق والهرم والجنون ..."... فعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبعين بابًا من الشر. وهذا حديث لا يصح، وإسناده تالف.

وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 131976.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني