الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صلة الرحم تختلف باختلاف الأحوال والأعراف والقدرة

السؤال

لم أر عمي منذ سنين، ولم أتواصل معه بسبب عداوته لنا، وكذلك أبي، وأبي إذا رآه مصادفة سلّم عليه، وقبل فترة فكرت في أن أرسل له رسالة تهنئة بعيد الأضحى، وطلبت رقمه من إحدى قريباتي، لكنها قالت: إن الرقم ليس لديها، وهو موجود عند والدتها، ويصعب عليّ أن أطلبه من والدتها؛ لأن أهلي سيعرفون ذلك، وكذلك يصعب عليّ أن أطلب منها أخذ الرقم من والدتها، وإرساله لي، ومرّت الأيام ولا أدري ماذا أفعل، وإذا استطعت الوصول إلى الرقم، فهل يكفي أن أرسل له رسالة لسؤاله عن حاله؟
فالحديث معه مباشرة يصعب عليّ؛ لأنه لا يكلمني أبدّا، علمًا أنني إذا أرسلتها الآن فلن يمكنني إرسال رسالة مماثلة مرة أخرى؛ لأنه سيستغرب؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن العم من الأرحام التي تجب صلتها، وتحرم قطيعتها، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 57246.

وقد أكد الله تعالى الأمر بصلة الرحم في قوله سبحانه: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ {النساء:1}، أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها.

والأحاديث في الوصية بصلة الرحم كثيرة؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلق الله الخلق، فلما فرغ منه، قامت الرحم، فأخذت بحقو الرحمن، فقال لها: مَهْ. قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك. قالت: بلى يا رب. قال: فذاك. قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {محمد:22}.

وقال صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه. متفق عليه.

وعن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة قاطع رحم. متفق عليه. وكفى بهذا زاجرًا عن القطيعة.

وعلى المسلم أن يحتسب الأجر في وصل من قطعه، وأن يقابل هجره بالصلة، وإساءته بالإحسان، وأن يعلم أن الله عز وجل مُعينه، وناصره، فقد روى البخاري، وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.

وروى مسلم، وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم، ويقطعوني، وأحسن إليهم، ويسيؤون إليّ، وأحلم عنهم، ويجهلون عليّ. فقال: لئن كنت كما قلت: فكأنما تُسِفُّهم المَلَّ، ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك. أي: فكأنما تطعمهم الرماد الحار.

واعلمي أن الشرع لم يحدد لصلة الرحم أسلوبًا معينًا، أو قدرًا محددًا، وإنما ذلك يختلف باختلاف الأحوال، والأعراف، والقدرة، فإذا كان يمكنك الذهاب لزيارته في بيته، وكنت آمنة، فيجب عليك ذلك، والأولى أن تصحبي ذلك بالهدية له، أو لبناته.

وإذا كان ذلك شاقًّا، فاحرصي على التواصل الهاتفي معه، فإذا قمت بصلته هاتفيًّا، ولو بالسلام، فلا تعدين قاطعة رحم، قال القاضي عياض: وللصلة درجات، بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة، وصلتها بالكلام، ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة، والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة، ولم يصل غايتها، لا يسمى قاطعًا، ولو قصر عما يقدر عليه، وينبغي له أن يفعله، لا يسمى واصلاً. نقله العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني