الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إلزام الأب بناته بصلة زوجته

السؤال

حدث بين أمي وأبي طلاق منذ أن كنت صغيرا، ولدي شقيقتان في سن23 و20، وأنا في سن 22، وجميعنا طلاب بالجامعات، وليس لدينا مصدر دخل، مع العلم أنني عاقل بالغ، وليست لدي أمراض أو إعاقات ـ ولله الحمد ـ وأستطيع العمل، ووالدي متزوج من امرأة أخرى أوقعت نفسها وأوقعتنا في النميمة والبهتان عن والدي، وصدقناها في البداية وأبغضنا هذا العمل منها، ولكننا لم نخبر والدي عنها لخوفنا من ردة فعله، وبعد 3 سنوات من النميمة والبهتان قررت أن أخبر والدي عنها بعد أن غيرته علينا، وجعلته يوقف المال عن أخواتي والتأمين الصحي وسحب السائق عن السيارة، وسببت مشكلة كبيرة جدا بين والدي ووالدتي وأخواتي، وبفضل من الله استطعت أن أصلح بينهم، ولكن والدي وإلى يومنا هذا سامح زوجته الثانية على نميمتها وبهتانها له ولنا بشرط، وهو أن توقف النميمة والبهتان تماما، وأخواتي لا يبادلنها السلام منذ بداية المشكلة حتى يومنا هذا، ووالدي مستاء جدا من هذا الأمر، لأنه يظن أنهن لو لم يبادلنها السلام فسوف يبغضهن إخواننا من زوجته الأخرى... وأخواتي رفضن طلب والدي بمبادلتها السلام، فغضب غضبا شديدا واتهمهن بالعقوق وقرر أن يوقف الأموال ويسحب السائق والخادمة، ويريدني أن أفعل هذه الأشياء، وأنا غير راض عن قراره.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلنبدأ بما ذكرت من كون زوجة أبيك تمشي بالنميمة وتسعى بالبهتان، فإن صح ذلك عنها، فهو أمر خطير، فكلا الفعلين من قبيح الفعال ومن الأخلاق المذمومة شرعا، ومن أسباب الفتنة وإيغار الصدور، وانظر الفتويين رقم: 98686، ورقم: 98686.

وقد أسأتم حين صدقتموها فيما نقلت لكم عن أبيكم، وكان الواجب نصحها والتثبت فيما جاءت به من أخبار، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ {الحجرات:6}.

فإن تابت إلى الله وأنابت ـ فالحمد لله ـ وإن استمرت على ذلك فليحزم أبوكم معها، فإنه مأمور شرعا بالعمل على تربيتها وتعليمها وتأديبها، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6}.

قال السلف: أي علموهم وأدبوهم، وثبت في الصحيحين عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.... والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته... الحديث.

وإذا لم تتب هذه المرأة فهجر أخواتك لها جائز، لأن هجر العاصي مشروع، ولكن ينبغي أن تراعى فيه المصلحة، وراجع الفتويين رقم: 29790، ورقم: 21837.

ويبقى النظر فيما ذكرت من استياء أبيك بسبب تصرف أخواتك، وطلبه منهن ترك الهجران خشية أن يتطور الأمر إلى حصول القطيعة بينهن وبين إخوانهن من أبناء هذه المرأة، فإن لم يخشين على أنفسهن ضررا من صلتها فالذي يظهر ـ والله أعلم ـ وجوب طاعتهن والدهن، لما قرره أهل العلم من وجوب طاعة الولد لوالده فيما فيه مصلحة له ولا ضرر على الولد، وقد أحسنت وأصبت حين سعيت في الصلح بين والدك ووالدتك وأخواتك، فهذا العمل من أفضل القربات وأجل الطاعات، وردت بخصوصه نصوص من الكتاب والسنة ذكرنا جملة منها في الفتوى رقم: 117937.

وبخصوص النفقة عليكم، فالراجح من أقوال العلماء أنه لا يجب على الأب الإنفاق على ابنه البالغ القادر على الكسب، وأما البنات: فالواجب على الأب الموسر أن ينفق على بناته حتى يستغنين بمال أو زوج، وراجع الفتوى رقم: 25339.
والنفقة تجب بقدر الكفاية في الملبس والمطعم والمسكن، ولا يجب على الأب ما زاد على ذلك، إلا أنه تراعى أعراف البلاد واختلاف الأحوال في أمر السيارة أو السائق أو الخادم ونحو ذلك، قال ابن جزي المالكي في القوانين الفقهية: يجب للأولاد والأبوين النفقة, وما يتبعها من المؤونة, والكسوة, والسكنى على قدر حال المنفق, وعوائد البلاد. اهـ.

فاعتبر العرف بقوله: وعوائد البلاد.

وقال ابن قدامة الحنبلي: والواجب في نفقة القريب قدر الكفاية من الخبز والأدم والكسوة، بقدر العادة، على ما ذكرناه في الزوجة، لأنها وجبت للحاجة، فتقدرت بما تندفع به الحاجة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ـ فقدر نفقتها ونفقة ولدها بالكفاية، فإن احتاج إلى خادم، فعليه إخدامه، كما قلنا في الزوجة، لأن ذلك من تمام كفايته. اهـ.

وفي الختام ننصح بالحرص على استقرار الأسرة والعمل على إصلاح زوجة الأب وصلاح الحال معها، فهي بمثابة الأم وصارت من المحارم، كما قال تعالى: وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا {النساء:22}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني