الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تخصيص الأم أحد أبنائها بهبة دون بقية إخوته

السؤال

الإخوة الكرام في إسلام ويب سؤالي هو: أنا أوسط إخوتي، متزوج، وحالتي المعيشية متوسطة - ولله الحمد والمنة - وعلي أقساط ، ولا أستطيع شراء سيارة بديلة؛ لأن سيارتي قديمة وبها أعطال متكررة، ولا أستطيع السفر بها، فهل يجوز أن تهب والدتي لي هبة عبارة عن سيارة حديثة نسبيا؟ وخصتني والدتي بهذه الهبة لأقوم بتوصيلها لقربي منها واستخدامها في منافعي وأسرتي، مع العلم أن إخوتي وأخواتي موظفون ومقتدرون ولله الحمد، وهل يلزم رضاهم على ذلك؟ مع العلم بأن سعرها مرتفع حيث تفوق الخمسين ألف ريال، ولم أطلب ذلك من أمي، بل أتت من رغبتها في مساعدتي - جزاها الله خيرا، ومد الله في عمرها على طاعته - وكتب الله لنا برها والإحسان إليها، ولكم جزيل الشكر والمثوبة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف العلماء في حكم تفضيل بعض الأبناء بالعطية دون البعض، فذهب جماعة إلى أن ذلك لا يجوز، وبه صرح البخاري وهو قول طاووس والثوري وأحمد وإسحاق، وقال به بعض المالكية، ثم المشهور عن هؤلاء أنها باطلة، وعن أحمد تصح ويجب أن يرجع، وقال أبو يوسف تجب التسوية إن قصد بالتفضيل الإضرار.
وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة، فإن فضل بعضاً صح مع الكراهة، واستحبت المبادرة إلى التسوية أو الرجوع، والراجح قول من قال بوجوب التسوية والعدل لما ثبت في الصحيحين واللفظ لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد لما نحل ابنه النعمان نحلاً وأتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على ذلك فقال له: "يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا. قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تشهدني إذا ، فإني لا أشهد على جور، وفي رواية لهما قال له أيضا: "فأرجعه". وفي رواية لمسلم: "اتقوا الله، واعدلوا في أولادكم، فرد أبي تلك الصدقة". وفي رواية عند أحمد: إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم.

والأم في هذا كالأب، قال ابن قدامة في المغني: (لأنها أحد الأبوين، فتسري عليها أحكام العطية لهم، ولأن ما يحصل بتخصيص الأب بعض أولاده لعطيته من الحسد والعداوة فيما بينهم يحصل مثله في تخصيص الأم بعض أولادها بعطيتها، فيثبت لها مثل أحكامه في ذلك.) اهـ
لكن إن كان تخصيص أحد الأبناء بالعطية لمسوغ معتبر، فإن بعض العلماء يستثني ذلك ويرى جوازه، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ: (فإن خص بعضهم بالعطية، لمعنى يقتضي تخصيصهم مثل اختصاصه بحاجة أو زمانة، أو عمى، أو أكثر عائلة، أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله تعالى، أو ينفقه فيها، فقد روى عن أحمد ما يدل على جواز ذلك.) انتهى.

وما دام حال إخوانك كما ذكرت من غنى بأعمالهم وعدم حاجتهم، وأنت محتاج إلى السيارة، فلعل هذا يكون مسوغا يقتضي ألا حرج على الأم في تخصيصك بتلك السيارة، ولو استأذنت باقي الأبناء في ذلك حتى يرضوا فهو أولى؛ لأنهم إذا رضوا بهذا التفضيل، فلا مانع منه، ومما يدل على ذلك ما روى مالك في الموطأ بإسناد صحيح أن أبابكر نحل عائشة دون غيرها من أبنائه، وما روي كذلك أن عمر نحل عاصما دون غيره.
قال الحافظ ابن حجر: وقد أجاب عروة عن قصة عائشة بأن إخوانها كانوا راضين بذلك، ويجاب بمثل ذلك في قصة عمر. اهـ

ويمكن لوالدتك أن تعيرك السيارة، وتجعلها تحت تصرفك، دون تمليكك إياها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني