الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم قول: إذا أخذت شيئًا من أمي تكونين طالقًا، بدون قصد إيقاعه

السؤال

قبل شهر حصل خلاف بين زوجي وأهله، وغضب منهم بشدة، وهو خلاف لا علاقة لي به، ومن شدة غضبه عندما عدنا للبيت قال: إذا أخذت شيئًا من أمي تكونين طالقًا. حيث إن حماتي لها عادة أن تكرمنا بهدايا وأغراض للبيت.
وقبل يومين جاءت حماتي وابنها إلينا قبل عودة زوجي إلى البيت، وكانت تحمل معها العديد من الأغراض، وأعطتني قسمًا منهم، والباقي أدخلهم ابنها إلى المطبخ، فتحرجت وخجلت أن أرفض، ولم أخبرها عن اليمين.
وعندما أخبرت زوجي حلف يمينًا أنه لم يقصد الطلاق، بل كان يقصد أن يمنع أخذ شيء من أمه، حتى أنه لا يذكر أنه قال اليمين بهذه الصيغة، بل إنه إذا أرادت أمه أن تعطيني شيئًا أقول لها إن زوجي حلف عليّ يمينًا ألا آخذ.
أنا في حيرة من أمري هل وقع الطلاق أم هناك كفارة لليمين؟ وماذا نفعل بالأغراض التي أحضرتها؟ وماذا من أجل المستقبل إذا أرادت أن تستمر حماتي بالعطاء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فجمهور أهل العلم على أنّ من حلف بالطلاق أو علّقه على شرط، وحنث في يمينه طلقت زوجته، سواء قصد إيقاع الطلاق أو قصد مجرد التهديد أو التأكيد ونحوه، وبعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يجعل الحالف بالطلاق للتهديد أو التأكيد كالحالف بالله، فإذا حنث في يمينه لزمته كفارة يمين ولم يلزمه طلاق، والمفتى به عندنا هو قول الجمهور، وانظري الفتوى رقم: 11592.

وعليه؛ فالمفتى به عندنا: أنّ زوجك إذا كان علّق طلاقك على قبول شيء من الهدايا من أمّه، فقد وقع طلاقك بقبولك هداياها، وإذا لم يكن الطلاق مكملًا للثلاث فله مراجعتك في عدتك، وقد بيّنّا ما تحصل به الرجعة شرعًا في الفتوى رقم: 54195.

وحيث كانت صيغة يمينه معلقة بأداة الشرط "إذا" ولم تكن بأداة تقتضي التكرار كصيغة "كلما أخذت منها فأنت طالق"؛ ففي هذه تنحل اليمين بمرة واحدة، ولا يتكرر الطلاق بتكرر الأخذ، ولا حرج عليكم في الانتفاع بالأغراض التي أخذتِها منها.
أما على قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: فما دام لم يقصد إيقاع الطلاق، فقد لزمته كفارة يمين ولم يقع طلاقك.

وإذا كان الزوج شاكًّا في حلفه بالطلاق، فالراجح أنّه لا يلزمه شيء؛ قال ابن رجب -رحمه الله-: "لَوْ حَلَفَ بِيَمِينٍ وَلَمْ يَدْرِ أَيُّ الْأَيْمَانِ هِيَ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِيَمِينٍ لَا يَدْرِي مَا هِيَ طَلَاقٌ أَوْ غَيْرُهُ، قَالَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يَعْلَمَ أَوْ يَسْتَيْقِنَ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ مُوجِبَاتِ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ مُوجِبِ كُلِّ يَمِينٍ بِانْفِرَادِهَا. وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ..." القواعد لابن رجب (ص: 361).

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني