الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هبة الوالدين شقة لابنتهم المطلقة دون غيرها

السؤال

أشكركم على هذا الموقع الجميل. والدي ووالدتي ما زالا على قيد الحياة، ونحن 3 أولاد - أنا، وأختان- ووالدي يمتلك شقتين، الأولى ثمنها 300 ألف جنيه وهي غير مسكونة، والثانية ثمنها 700 ألف جنيه، ويسكنها والدي ووالدتي، وعند زواجي طلبت من والدي أن آخذ الشقة الخالية لأتزوج فيها، فرفض بشدة، وبعد مناقشات كثيرة وافق، والشقة ما زالت باسم والدتي أو والدي، وعند زواجي قمت من حرّ مالي بسداد باقي أقساط الشقة، وتشطيبها، وصرفت عليها 50 ألف جنيه من حرّ مالي، وبعد فترة طلبت من والدي أن أكتب الشقة باسمي منعًا لأية مشاكل مع أخواتي بعد عمر طويل لوالدي ووالدتي، فكان رده أن هذه الشقة ميراث شرعي، ويجب سداد حق البنات، فسُعّرت الشقة من قبل مكتب عقارات، ودفعت للبنات حقهنّ الشرعي، وسجلت الشقة باسمي، فهل هذا صحيح أم لا؟ والمشكلة الآن في الشقة الثانية، وقيمتها 700 ألف جنيه... وقد اتفقت مع والدي ووالدتي أن هذه الشقة ميراث شرعي، ولي فيها الضعف، وأختي المطلقة لا تشتغل، فطلب مني والدي -أنا وأختي- أن نتنازل عن حقنا في الشقة الثانية لأختي المطلقة، فرفضت التنازل عن حقي بشدة، فأخبروني -أنا وأختي- بأنهم سوف يكتبون الشقة كلها باسم أختي المطلقة، أو تعيش فيها حتى تربي أولادها 20 سنة على الأقل، فهل هذا التصرف يرضي الله، ورسوله محمدًا صلى الله علية وسلم؟ وهل هذا هو شرع الله في الميراث؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد كان الأولى عرض المسألة على أهل العلم حيث أنت؛ ليستفصلوا عما يحتاج إلى الاستفصال عنه، دون فرض احتمالات قد تكون غير مقصودة، لكن من حيث الاجمال، وتنزلًا عند طلبك نجيب عما سألت عنه في النقاط التالية:

أولًا: قول الأب إن الشقة ميراث ـ لا اعتبار له - بل هي ملكه، ولا تكون ميراثًا حتى يتوفى، ولا يعلم من يموت أولًا، فمن يظن نفسه الآن سيكون وارثًا قد يكون مورثًا، ومن سوء الأدب مع الأب الحديث معه في ذلك، وكأن الابن يستعجل موته.

ثانيًا: ما فعله الأب من توزيع قيمة الشقة التي حزتها من العدل في الهبة، وهو واجب على الراجح، وقد اختلف أهل العلم في كيفيته، هل يكون مثل قسمة الميراث، أم يسوى بين الذكر والأنثى فيه؟

اختلف العلماء في ذلك، فذهب بعضهم إلى أن العدل لا يحصل إلا بالتسوية بين الجميع -ذكرانًا وإناثًا-؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلًا أحدًا لفضلت النساء. أخرجه سعيد بن منصور، والبيهقي من طريقه، وحكم الحافظ في الفتح بأن إسناده حسن.

وذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أن العدل يتحقق بإعطاء الأنثى نصف نصيب الذكر على هيئة الميراث الشرعي، قال ابن قدامة معللًا لهذا الرأي: ولأن الذكر أحوج من الأنثى من قبل أنهما إذا تزوجا جميعًا فالصداق والنفقة ونفقة الأولاد على الذكر, والأنثى لها ذلك، فكان أولى بالتفضيل لزيادة حاجته، وقد قسم الله تعالى الميراث، ففضل الذكر مقرونًا بهذا المعنى، فتعلل به، ويتعدى ذلك إلى العطية في الحياة. انتهى.

ومن أخذ بهذا القول الأخير فنرجو ألا يكون عليه حرج، وإن كان الأول هو المفتى به لدينا في الموقع، للأثر المذكور.

ثالثًا: على الوالدين العدل في العطية ـ كما سبق ـ فلا يهبا الشقة الثانية للبنت دون غيرها، وإن كانت محتاجة؛ لكون تلك الحاجة قد تسد بغير تلك الهبة، كبيع الشقة، وإعطاء البنت جزءًا من ثمنها لتشتري به شقة تسد حاجتها، وإعطاء أخيها وأختها مثلها، وهكذا.

ومن ثم؛ فليس لهما تخصيصها بتلك الشقة؛ لوجوب العدل في ذلك على الراجح، ولا مسوّغ للتفضيل لدى من يقول به إن كان لعذر، وانظر للمزيد الفتويين رقم: 6242، ورقم: 19673.

رابعًا: إن كان المقصود بتسجيل الشقة باسم البنت، أو غيرها هو حوزها لها بعد وفاة الوالدين؛ لئلا يشاركها غيرها من الورثة، فهذه وصية، والوصية للوارث لا تصح.

وعلى كل؛ فالمسألة تحتاج تفصيلًا أكثر، واستفصالًا لا يمكن من خلال السؤال عن بعد، فالنصيحة عرضها على أهل العلم حيث أنتم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني