الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحد الشرعي لصلة الأقارب وهل يجب محبتهم؟

السؤال

ما كيفية صلة الرحم؟ وهل إن تركت وصالهم أكثر من ثلاثة أيام أكون قاطع رحم؟ وهل يجب أن أحبهم لكي أكون عند الله من الواصلين لهم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الشرع حثّ على صلة الرحم ورغّب فيها، وحذّر من قطيعتها، ومع ذلك لم يضع لها كيفية خاصّة، أو حدًّا معينًا؛ بل أمر بها أمرًا مطلقًا، وما كان هذا شأنه فإنه يرجع في ضبطه إلى عرف الناس؛ كما جاء في القواعد الفقهية لابن عثيمين -رحمه الله-: "وكلُّ ما أتى ولم يحدَّدِ بالشَّرع كالحِرْزِ فبالعُرف احدُدِ".

وعلى ذلك؛ فإن ما كان في عرف الناس صلة فإنه يعتبر صلة شرعًا، بغض النظر عن كيفيته وزمنه، وما كان قطيعة في عرف الناس فهو قطيعة في الشرع منهيّ عنها؛ جاء في شرح مسلم للإمام النووي: "قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَطِيعَتَهَا مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ. قَالَ: وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ تَشْهَدُ لِهَذَا، وَلَكِنَّ الصِّلَةَ دَرَجَاتٌ بَعْضُهَا أَرْفَعُ مِنْ بَعْضٍ، وَأَدْنَاهَا تَرْكُ الْمُهَاجَرَةِ، وَصِلَتُهَا بِالْكَلَامِ وَلَوْ بِالسَّلَامِ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ القدرة والحاجة". وانظر الفتوى رقم: 7683، والفتوى رقم: 163571 للمزيد من الفائدة.

ولذلك فإن ترك الصلة أكثر من ثلاثة أيام قد لا يعتبر قطيعة في عرف بعض المجتمعات؛ لاختلاف الناس في كيفية صلة أرحامهم.

وأما محبة الأقارب القلبية: فينبغي للمسلم أن يسعى في أسباب حصولها، لكنها لا تجب ولا يؤاخذ بعدمها؛ لأنّ المحبة من الأمور القلبية التي ليس للإنسان فيها خيار، ولا قدرة له على التحكم فيها؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لنسائه ويقول: "اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" رواه الترمذي. قال الصنعاني في سبل السلام:"وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحَبَّةَ وَمَيْلَ الْقَلْبِ أَمْرٌ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِلْعَبْدِ بَلْ هُوَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ، وَيَدُلُّ لَهُ {وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} بَعْدَ قَوْلِهِ {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال: 63].

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني