الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نذرت إن شُفيت إقامة عرس إسلامي وأبواها يهددان بالامتناع عن حضوره

السؤال

كانت مريضة ونذرت إن شفاها الله أن تقوم بعمل عرسها إسلاميا، وشفاها الله ولكن أبواها يرفضان ذلك تماما ويهددانها بعدم حضور عرسها وغضبهما عليها، هي لم تكن تعلم أن لعدم الوفاء بالنذر عقوبة، فهل يجزئها إخراج كفارة يمين عن نذرها؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن كانت تعني بالعرس الإسلامي عرسا خاليا من المحرمات كالموسيقى والاختلاط المحرم وليس فيه ما يخالف أحكام الإسلام فإنه يجب عليها أن يكون عرسها كذلك ولو لم تنذره، وإذا نذرته فإنها تكون نذرت ما هو واجب عليها فعله أو واجب عليها تركه، ونذرُ فعلِ الواجب أو تركِ المحرم لا ينعقد في قول جمهور أهل العلم، فلو لم يف به الناذر لم تلزمه كفارة، والواجب عليه التوبة من ترك الواجب أو فعل المحرم، قال الإمام النووي في المجموع: وَكَذَا لَوْ نَذَرَ تَرْكَ الْمُحَرَّمَاتِ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ لَا يَشْرَبَ الْخَمْرَ وَلَا يَزْنِيَ وَلَا يَغْتَابَ لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ سَوَاءٌ عَلَّقَهُ عَلَى حُصُولِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ أَوْ الْتَزَمَهُ ابْتِدَاءً... اهـــ .
وجاء في الموسوعة الفقهية: نَذْرُ الْوَاجِبِ الْعَيْنِيِّ هُوَ نَذْرُ مَا أَوْجَبَ الشَّارِعُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فِعْلَهُ أَوْ تَرْكَهُ عَيْنًا بِالنَّصِّ: كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَأَدَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَعَدَمِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَعَدَمِ الزِّنَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذِهِ الْوَاجِبَاتُ وَمَا شَابَهَهَا لاَ يَنْعَقِدُ النَّذْرُ بِهَا وَلاَ يَصِحُّ الْتِزَامُهَا بِالنَّذْرِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَكْثَرِ الْحَنَابِلَةِ، سَوَاءٌ عُلِّقَ ذَلِكَ عَلَى حُصُول نِعْمَةٍ أَوْ دَفْعِ نِقْمَةٍ، أَوِ الْتَزَمَهُ النَّاذِرُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ يُعَلِّقُ عَلَيْهِ النَّذْرَ، وَقَدِ اسْتُدِل لِعَدَمِ انْعِقَادِ هَذَا النَّذْرِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الاِلْتِزَامِ بِالْوَاجِبِ الْعَيْنِيِّ بِالْمَعْقُول.
وَوَجْهُهُ: أَنَّ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ فَلاَ مَعْنَى لاِلْتِزَامِهِ بِالنَّذْرِ، لأِنَّ إِيجَابَ الْوَاجِبِ لاَ يُتَصَوَّرُ، وَقَالُوا: إِنَّ الطَّاعَةَ الْوَاجِبَةَ لاَ تَأْثِيرَ لِلنَّذْرِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْمَعْصِيَةِ الْمُحَرَّمَةِ لاَ تَأْثِيرَ لِلنَّذْرِ فِيهَا لِوُجُوبِ تَرْكِ ذَلِكَ عَلَى النَّاذِرِ بِالشَّرْعِ دُونَ النَّذْرِ، وَأَضَافُوا: إِنَّ النَّذْرَ الْتِزَامٌ، وَالْمَنْذُورُ لَزِمَ النَّاذِرَ عَيْنًا بِالْتِزَامِ الشَّرْعِ قَبْل النَّذْرِ، وَلاَ يَصِحُّ الْتِزَامُ مَا هُوَ لاَزِمٌ كَنَذْرِ الْمُحَال. اهـــ
وعلى هذا نقول للأخت السائلة: إن نذرك غير منعقد ويجب عليك البعد عن معصية الله تعالى في العرس، ويحرم عليك أن تقيمي فيه شيئا من المنكرات أو تأذني في إقامتها، ولا يجوز لك أن تطيعي والديك في معصية الله تعالى، وبيني لهما بلطف وأدب الحكم الشرعي وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله تعالى، فإن استجابوا فذاك؛ وإلا فأقيمي عرسك على طاعة الله ولا إثم عليك في عدم حضورهما، ولعل الله تعالى يبارك في زواجك والحالة هذه إذا رأى منك إيثارا لمرضاته على مرضاة خلقه.
والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني