الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخوف من الموت؛ المطلوب منه وغير المطلوب

السؤال

أولًا: أحب أن أقول لكم جزاكم الله خيرًا على الموقع الرائع، وأعانكم الله على فعل الخير.
أنا أعاني من وسواس الموت منذ خمسة أشهر. أنا كنت -والعياذ بالله- غير ملتزمة، ولا أحافظ على الصلاة، ولم أكن محجبة.
في ليلة 29 رمضان دعوت أن أموت قبل زوجي وطفلتي المولودة حديثًا. في اليوم التالي عانيت من سعال شديد، وخرج معه دم، فخفت كثيرًا، واعتقدت أني أموت، وأُصبت بحالة من الهلع، وذهبت للمستشفى، وكانت الفحوصات -والحمد لله- سليمة. بعدها خفت كثيرًا، والحمد لله تبت إلى الله، عسى الله أن يقبل توبتي، وارتديت الحجاب، وأصبحت أحافظ على صلاتي وأذكاري.
ولكن مشكلتي أني ما زلت أخاف من تلك الدعوة، وأُصبت بحالة من نوبات الهلع، وأصبحت لا أنام، وذهبت لطبيب نفسي، وشخص حالتي أنها رهاب ما بعد الولادة، وقد وصف لي حبوب (سترالنين)، لقد استخرت ولم أرتح لأخذها، فلم أتناولها.
والآن أُصبت بحالة أسوء، وهي أني أشعر بكل لحظة تمر عليّ أني قد عشتها من قبل، وأنها مكررة، وأخاف أن تكون هذه دلالة على قرب الأجل، إني أعيش في صراع دائم.
أفتوني -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأما ذنوبك السابقة: فعليك أن تتوبي إلى الله تعالى منها، وتندمي على فعلها.

وأما ما تعانينه: فقد يكون مرضًا نفسيًّا؛ فينبغي لك مراجعة الأطباء الثقات.

وعلى كلٍّ؛ فالإكثار من تذكر الموت أمر مشروع، ولكن ليبعث المرء على الاجتهاد في الطاعة، والزهد في الدنيا، والإقبال على الآخرة، وأما الخوف من الموت الذي يقعد صاحبه عن العمل، ويملؤه حزنًا وغمًّا: فليس هو المطلوب شرعًا، بل هو خوف مرضي، وعلى صاحبه أن يزيله بالعلم الجازم بأن ما عند الله خير للأبرار، وأنه إن اجتهد في طاعة الله وأخلص له لم يضره أن يأتيه الموت على هذه الحال، بل كان الموت راحة له من نكد الدنيا وعنائها، وليعلم أن كل شيء مكتوب عند الله تعالى مقدر سلفًا قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فالوقت المحتوم المقدر للشخص أن يموت فيه لن يتقدم ولن يتأخر، كما قال تعالى: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ {الأعراف:34}. فالخوف المرضي من الموت لا يفيد صاحبه، ولا يدفع عنه ما قدره الله، ولن يأتيه أجله قبل الوقت الذي قدره الله له. وليعلم كذلك أن الله لا يقدر شيئًا إلا لحكمة بالغة، فمن قدر حياته فلما له في ذلك من الحكمة، ومن قدر موته فلما له في ذلك من الحكمة كذلك، فليسلم الشخص لحكم الله، وليرض بجميع قضائه وقدره، وليعلم أن اختيار الله له خير من اختياره لنفسه، وليكل أموره كلها إلى ربه، وليعلم أنه لو أتاه الموت مطيعًا لله فقد أتاه الخير العظيم، نسأل الله أن يحسن خواتيمنا أجمعين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني