الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التوبة من الذنب الذي لا يُعلم تحديدا

السؤال

أذنبت ذنبا لا أعلم ما هو، ولكن منعني هذا الذنب صلاة الفجر أغيب عنها ولا أصليها في المسجد بحجة البرد الشديد، وربما يكون الجو ليس بالشدة، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يقينا وإياك شر الذنوب، وأن يوفقنا لتوبة نصوح.

والعبد قد يحرم الطاعة بالذنب، ولتنظر في ذلك الفتوى رقم: 236113.

وللعبد رخصة في ترك الجماعة في شدة البرد؛ قال ابن قدامة في المغني: ويعذر في ترك الجماعة بالريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة، وقد روى ابن ماجه عن ابن عمر قال «كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينادي مناديه في الليلة المطيرة أو الليلة الباردة: صلوا في رحالكم» وإسناده صحيح ورواه أبو داود، ونحوه واتفق عليه البخاري، ومسلم إلا أن فيه: في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر، وروى أبو المليح أنه «شهد مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ زمن الحديبية يوم جمعة، وأصابهم مطر لم يبتل أسفل نعالهم فأمرهم أن يصلوا في رحالهم» رواه أبو داود. انتهى. وقال النووي في المجموع: (فرع) البرد الشديد عذر في الليل والنهار. انتهى.

لكن إن لم يكن البرد شديدا، فلا عذر لك، فجاهد نفسك، ولا تفرط وتب إلى الله توبة عامة لعلك تعود إلى هذه العبادة الجليلة؛ جاء في مجموع فتاوى ابن تيمية: فمن تاب توبة عامة كانت هذه التوبة مقتضية لغفران الذنوب كلها، وإن لم يستحضر أعيان الذنوب، إلا أن يعارض هذا العام معارض يوجب التخصيص مثل أن يكون بعض الذنوب لو استحضره لم يتب منه؛ لقوة إرادته إياه، أو لاعتقاده أنه حسن ليس بقبيح، فما كان لو استحضره لم يتب منه لم يدخل في التوبة، وأما ما كان لو حضر بعينه لكان مما يتوب منه فإن التوبة العامة شاملته. انتهى.

وكونك لا تدري الذنب الذي أوجب لك ذلك يقتضي نوع مراجعة، فالواحد مملوء بالعيوب والتقصير في الواجبات الباطنة؛ قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: وكثير من الناس لا يستحضر عند التوبة إلا بعض المتصفات بالفاحشة أو مقدماتها أو بعض الظلم باللسان أو اليد، وقد يكون ما تركه من المأمور الذي يجب لله عليه في باطنه وظاهره من شعب الإيمان وحقائقه أعظم ضررا عليه مما فعله من بعض الفواحش، فإن ما أمر الله به من حقائق الإيمان التي بها يصير العبد من المؤمنين حقا أعظم نفعا من نفع ترك بعض الذنوب الظاهرة كحب الله ورسوله؛ فإن هذا أعظم الحسنات الفعلية حتى ثبت في الصحيح {أنه كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجل يدعى حمارا، وكان يشرب الخمر، وكان كلما أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم جلده الحد، فلما كثر ذلك منه أتي به مرة فأمر بجلده، فلعنه رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله}، فنهى عن لعنه مع إصراره على الشرب لكونه يحب الله ورسوله مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر عشرة: {لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وآكل ثمنها}، ولكن لعن المطلق لا يستلزم لعن المعين الذي قام به ما يمنع لحوق اللعنة له. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني