الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم السجود للشكر بعد الطاعة

السؤال

أنا مثلًا إذا وجدت أني أنهيت القضاء حق اليوم، وأنهيت وردي اليومي من القرآن، وفعلت ما أريد فعله، غالبًا أسجد سجود شكر لله، أو مثلًا إذا تأخرت يومين عن القضاء وقراءة وردي اليومي من القرآن، أو تأخرت أكثر من يومين، ثم أنهيتهن، فإني أسجد سجود شكر لله، أو مثلًا إذا مارست العادة، وعدت للتوبة بسرعة، واغتسلت دون أن أوسوس، وحتى إذا وسوست بالغسل، فإني أسجد سجود شكر لله، فهل سجود الشكر لله هنا يعد بدعة أم أنه ليس بدعة ويجوز فعله متى ما أردت؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلم نقف على نصّ لأحد من أهل العلم يقول بمشروعية السجود للشكر عقب التوفيق للطاعة، وقد أشرنا في الفتوى رقم: 249058، وما أحيل عليه فيها: أنه لا يشرع السجود للشكر عقب الصلاة، أو قراءة القرآن، ونظيره ما ذكر من الطاعات، فلم يؤثر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن السلف، وإنما أثر عنه صلى الله عليه وسلم السجود عند حصول النعم الظاهرة، وقد نصّ بعض أهل العلم على استحباب السجود للنعم الظاهرة، وقيّده بعضهم بالنعم العظيمة التي تأتي بغتة؛ فقد جاء في الحديث عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان إذا أتاه أمر يسره أو بُشّر به، خرّ ساجدًا، شكرًا لله تبارك وتعالى». رواه ابن ماجه، والحاكم، وصححه ووافقه الذهبي.

وفي منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (3/ 199): (كان) رسول الله (صلى الله عليه وسلّم إذا جاءه) - لفظ رواية الحاكم: «إذا أتاه» - (أمر) أي: أمر عظيم كما يفيده التنكير (يسرّ به) أي: بغتة، فلا يسنّ سجود الشكر لكلّ نعمة كدوام العافية والجاه، وإلّا لزم استغراق العمر في سجود الشكر. اهـ.

وفي زاد المعاد لابن القيم: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم، وهدي أصحابه: سجود الشكر عند تجدد نعمة تسر، أو اندفاع نقمة، كما في "المسند" عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: («كان إذا أتاه أمر يسره، خرّ لله ساجدًا شكرًا لله تعالى»). وذكر ابن ماجه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم: («بشر بحاجة، فخرّ لله ساجدًا»). وذكر البيهقي بإسناد على شرط البخاري: «أن عليًّا -رضي الله عنه- لما كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام همدان، خرّ ساجدًا، ثم رفع رأسه، فقال: (السلام على همدان، السلام على همدان)». وصدر الحديث في صحيح البخاري، وهذا تمامه بإسناده عند البيهقي. اهـ.

وقال النووي في المجموع في الفقه الشافعي: قال الشافعي والأصحاب: سجود الشكر سنة عند تجدد نعمة ظاهرة واندفاع نقمة ظاهرة، سواء خصته النعمة والنقمة أو عمت المسلمين ... ولا يشرع السجود لاستمرار النعم؛ لأنها لا تنقطع. انتهى.

وقال أيضًا: لو خضع إنسان لله تعالى فتقرب بسجدة بغير سبب يقتضي سجود شكر، ففيه وجهان حكاهما إمام الحرمين وغيره: (أحدهما:) يجوز. قاله صاحب التقريب (وأصحهما:) لا يجوز. صححه إمام الحرمين وغيره، وقطع به الشيخ/ أبو حامد. قال إمام الحرمين: وكان شيخي -يعني أبا محمد- يشدد في إنكار هذا السجود، واستدلوا لهذا بالقياس على الركوع, فإنه لو تطوع بركوع مفردًا كان حرامًا بالاتفاق; لأنه بدعة، وكل بدعة ضلالة، إلا ما دلّ دليل على استثنائه. اهـ.

وقد بيّنّا سبل شكر الله على التوفيق للطاعة ونحو ذلك في الفتوى رقم: 268375، فراجعها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني