الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التصرف في الأموال المتبرع بها للمسجد المكتسبة بطريق غير شرعي

السؤال

لجنة إدارية بمسجد حصلت على كمية من حديد التسليح هبة من مواطن، وبعد استلامه تبين بأن طريقة حصول المواطن الذي تبرع به للمسجد طريقة غير شرعية، فهل نستعمل هذا الحديد في بناء المسجد؟ أم يتم استغلاله في دورات المياه التابعة للمسجد فقط؟ أم يتم التخلص منه في غير المساجد؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلم تبينوا لنا الطريقة التي حصل بها المتبرع على تلك المواد، وما وجه عدم مشروعيتها، لأن الحكم يختلف بحسب ذلك، فالمحرم لعينه كالمال المغصوب والمسروق لا يحل الانتفاع به، بل يجب رده إلى صاحبه، إلا إذا تعذر رده إليه، فلا حرج في إنفاقه في مصالح المسلمين العامة حينئذ، ومن ذلك بناء المساجد أو ما يتعلق بها من ملحقات على خلاف في ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه السياسة الشرعية: إذا كانت الأموال قد أخذت بغير حق وقد تعذر ردها إلى أصحابها ككثير من الأموال السلطانية ـ أي التي غصبها السلطان ـ فالإعانة على صرف هذه الأموال في مصالح المسلمين كسداد الثغور ونفقة المقاتلة ونحو ذلك: من الإعانة على البر والتقوى، إذ الواجب على السلطان في هذه الأموال ـ إذا لم يمكن معرفة أصحابها وردها عليهم ولا على ورثتهم ـ أن يصرفها مع التوبة إن كان هو الظالم إلى مصالح المسلمين، هذا هو قول جمهور العلماء كمالك وأبي حنيفة وأحمد، وهو منقول عن غير واحد من الصحابة، وعلى ذلك دلت الأدلة الشرعية... وإن كان غيره قد أخذها فعليه هو أن يفعل بها ذلك. انتهى.

هذا بالنسبة للمحرم لذاته، وأما المحرم لكسبه: فهو مثل ما اكتسبه الإنسان بطريق محرم كالتعامل بالربا، أو بيع ما هو محرم، وهذا إنما يكون حراما على من اكتسبه فقط، أما إذا أخذه منه شخص آخر بطريق مباح، فلا حرج في ذلك، كما لو تبرع به لبناء مسجد مثل ما هو الحال هنا، فلا يحرم الانتفاع به في ذلك، قال النووي ـ رحمه الله ـ في المجموع: قال الغزالي: إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه ـ فإن كان له مالك معين ـ وجب صرفه إليه أو إلى وكيله, فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه, وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة, كالقناطر والربط والمساجد، ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه, وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء... وهذا الذي قاله الغزالي ذكره آخرون من الأصحاب, وهو كما قالوه, لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في البحر, فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين, والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى.

وإن كان بعض العلماء يرى أن المساجد تنزه عن مثل ذلك، لأن المال الحرام مال خبيث، فلا ينبغي أن يدخل في بناء مساجد الله وبيوته، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فالواجب أن تصان بيوت الله عن هذا المال الخبيث حتى لا يكون موضعاً للإكرام.

ولا سيما مع عدم الحاجة إلى استعماله فيه، وحينئذ توضع في ملحقاته كالحمامات ونحوها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني