الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا منافاة في العمل ابتغاء وجه الله مع رجاء الثواب

السؤال

في السؤال رقم: 2603723، لم يكن هناك جواب لسؤال: هل هناك اختلاف بين أن تكون العبادة لله، أو أن تكون من أجل ثواب الآخرة؟ وهل من فعل عبادة ما للآخرة يعتبر كمن فعلها لله؟.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأفضل للمسلم أن يقوم بالعبادة طاعة لله تعالى وامتثالا له وابتغاء لوجهه دون النظر إلى عوضه، لكن لا حرج عليه في ملاحظة الثواب الأخروي، لأنه إنما يراد به طلب ثواب الله تعالى وجزائه، وقد رغب الشرع في الأعمال الصالحة بذكر ما لفاعلها من الثواب في الآخرة، كما قال تعالى: وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا {الإسراء:19}.

وقال أيضا سبحانه: وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا {الأحزاب:29}.

وقال الله تبارك وتعالى: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ {آل عمران:152}.

وقال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ {الشورى:20}.

وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أم حبيبة: من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة.

وروى أحمد وابن حبان والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي عن أنس بن مالك: أن رجلا قال: يا رسول الله؛ إن لفلان نخلة وأنا أقيم حائطي بها، فمره أن يعطيني أقيم حائطي بها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعطها إياه بنخلة في الجنة، فأبى، وأتاه أبو الدحداح، فقال: بعني نخلك بحائطي، قال: ففعل، قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ إني قد ابتعت النخلة بحائطي، فجعلها له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كم من عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة مرارا، فأتى امرأته، فقال: يا أم الدحداح؛ اخرجي من الحائط، فإني بعته بنخلة في الجنة، فقالت: قد ربحت البيع أو كلمة نحوها.

وروى الترمذي من حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ وصححه الألباني: من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة.

وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجب ربنا من رجلين، رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين حبه وأهله إلى صلاته، فيقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقا مما عندي، ورجل غزا في سبيل الله، فانهزم مع أصحابه، فعلم ما عليه في الانهزام وما له في الرجوع، فرجع حتى هريق دمه، فيقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندين وشفقا مما عندي حتى هريق دمه. رواه البغوي في شرح السنة، وصححه الألباني.

قال الملا علي القاري في شرحه على مشكاة المصابيح: وفي هذه الأحاديث إشارة إلى أن العمل لله مع رجاء الثواب الذي رتبه على ذلك العمل، وطلب حصوله لا ينافي الإخلاص والكمال، وإن نافى الأكمل وهو العمل ابتغاء وجه الله تعالى لا لغرض ولا لعوض. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني