الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم طاعة صاحب العمل في كثرة الإنتاج على حساب الجودة والإتقان

السؤال

أخي الكريم، أنا فني تقويم أسنان، وأعمل في مجال عملي حاليا، ولله الحمد فأنا متقن لمهنتي بشكل كبير، ولا أقبل بالتهاون في جودة العمل وإتقانه. أسال الله أن تكون خالصة لوجهه الكريم.
ودوامي هو 9 ساعات، وأنجز خلاله عددا مختلفا من الحالات التقويمية، فلدينا أنواع كثيرة من الأجهزة التقويمية مختلفة الصعوبة، فمنها السهل ومنها الصعب الذي يتطلب وقتا أكبر للعمل، فوقت عمل الأجهزة يتراوح بين نصف ساعة للجهاز السهل، وخمس ساعات للجهاز الصعب، ولكن أصحاب المكان الذي أعمل به يحاولون بشكل دائم الضغط علي بإنتاج عدد أكبر، و قيل لي بشكل صريح بأننا لا نحتاج للإتقان في جميع الحالات، ولكن يهمنا العدد المنجز، وفي أحيان أخرى يقولون لي بأن العدد المنجز قليل وتجب زيادته وبنفس الجودة الحالية، وطبعا لا يرغبون بدفع راتب دوام إضافي.
وأنا من شدة الضغوط علي بذلك فقد حاولت العمل بطريقة سريعة، وحاولت إهمال بعض أمور الجودة، و لكنني لم أستطع الاستمرار أكثر من يومين، فإنني أرى بأنني قادر على إعطاء عمل ذي جوده عالية، فاتخذت طريقا أخرى بأن أعمل خارج أوقات دوامي أيضا لكي لا أتنازل عن إتقان عملي حتى ولو كان دون أجر من أصحاب المكان.
وكان هذا رضى لهم طبعا وهو دون أجر حيث إنهم ما زالوا يرفضون إعطاء أجر للدوام الإضافي وهم يعلمون به بشكل جيد و يثنون علي بـ (الله يعطيك العافية)
واستمررت على هذه الحال لعدة سنوات للحفاظ على مكان عملي وعلى جودة عملي أيضا، ولكن في هذه الفترة الأخيرة كنت قد عقدت قراني ـ ولله الحمد - فأصبحت علي التزامات لم تكن موجودة عندما كنت عزبا، فبدأت أقلل من ساعات دوامي الإضافية غير المدفوعة الأجر إلى أن عدت إلى وضعي الطبيعي بدوام طبيعي وهو الـ 9 ساعات.
وهذا قد أدى إلى تراجع الإنتاج وتعرضي لهجوم كبير من أصحاب عملي وضغطهم الكبير علي، إلى أن وصل في يوم أمس بتهديدي بالخصم من راتبي الشهري إن لم أنجز العدد المطلوب الذي قد حددوه هم وهو 9 أجهزة يوميا مهما كانت الأجهزة سهلة أو صعبة.
علما أن عقد عملي يوضح راتبي الشهري مع 9 ساعات دوام يومية ولم يحدد عدد إنتاج يومي أو شهري.
كما بدأوا بالضغوط على زوجتي أيضا والتي تعمل في نفس المستوصف ولكن في غير اختصاصي، وذلك بنقلها إلى مكان آخر لا ترغب بالعمل فيه لعدم رغبتها بالاختلاط أو مكالمة الرجال.
وأنا الآن في حيرة من أمري وما زال في عقدي حوالي سنة وشهرين، وتقدمت لهم بطلب الخروج و البحث عن مكان عمل آخر فسوفوني، علما أن عقود العمل عندهم مدتها 3 سنوات.
أفتوني برأيكم في موضوعي، وجزاكم الله عنا كل خير، و أعتذر عن الإطالة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله خيرا على إخلاصك في عملك وإتقانك له، وهكذا يكون المؤمن الذي يتقي ربه ويحفظ دينه، وقد قال صلى الله عليه وسلم : إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه. أخرجه أبو يعلى والطبراني، وقد صححه الألباني في الصحيحة، فاحرص على ما يحبه الله ويرضى بسببه، ولا تبال بسخط المخلوق إذا طلب منك ما لا يرضي الله تعالى، وأراد منك غشا أو تدليسا ولن يضيعك الله، ففي سنن الترمذي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس.
واعلم أن تقوى الله خير زاد، وقد ضمن الله الرزق لمن يتقيه، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3}، .
وأما ما ذكرته عن أصحاب العمل من تهديدك بالخصم من راتبك مع التزامك بوقت العمل المتفق عليه وعدم إخلالك به أو تقصيرك فيه فلا يجوز لهم، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ {المائدة:1}، وفي الحديث: المسلمون على شروطهم. رواه أبو داود والترمذي.
والعقد على المدة يقتضي وجوب الأجرة ولو لم ينته العامل من العمل فيها، والعقد على العمل يقتضي وجوب الأجرة بالعمل أو بإنجاز العمل دون اعتبار الوقت وفي اشتراطهما معا وتقدير الأجرة بهما جهالة في عقد الإجارة ولا يصح ذلك، جاء في كشاف القناع: ولا يصح الجمع بين المدة والعمل كقوله استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في يوم لأن الجمع بينهما يزيد الإجارة غررا لا حاجة إليه. اهــ

والعقد معك كما ذكرت إنما هو على الوقت لا على العمل وبالتالي فليس لهم محاسبتك على عدد الأجهزة إذا لم يتسع وقت الدوام للفراغ منها، وعقد الإجارة من العقود اللازمة، فإذا تم التعاقد على مدة معلومة لم يجز للطرفين فسخ العقد إلا بالتراضي، وقد اختلف الفقهاء في فسخ الإجارة للعذر، وقد بينا أقوالهم بالفتوى رقم: 46107 .

نسأل الله أن يعينك، وأن يؤتيك من لدنه رحمة، وأن يهيئ لك من أمرك رشدا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني