الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يلزم من وقع في اللواط أن يقدم نفسه لإيقاع الحد عليه؟

السؤال

سمحت لشخصين أن يفعلا بي اللواط 4 مرات تقريبا، وكنت أظن وقتها أنه حلال لي، فما هو الحد المترتب علي مع التوبة؟ وفي أي بلد أستطيع أن أذهب لكي يقيموا علي هذا الحد؟ مع العلم أنني مريض بثنائية القطب والشيزوفرينيا... والحقيقة أنني مازلت أحسن أنه حلال فعل هذا، لأَننِّي مخنث في شكلي، وإذا تأكدت أنه حرام على الأشخاص الذين هم في حالتي، فلن أفعله أبدا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه يحرم جميع أنواع الأعمال اللوطية على جميع الناس، ولا يستثنى من ذلك أحد من المكلفين, فلا يجوز شيء من استمتاع الذكر بالذكر وتلذذه به، ولا يجوز مسه لعورة غيره, والتلذذ بذلك، فيحرم كل ذلك، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ليس في المعاصي أعظم مفسدة من هذه المفسدة، وهي تلي مفسدة الكفر، وربما كانت أعظم من مفسدة القتل كما سنبينه ـ إن شاء الله تعالى ـ ولم يبتل الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحدا من العالمين، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أحداً غيرهم، وجمع عليهم من أنواع العقوبات بين الإهلاك وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، فنكل بهم نكالا لم ينكله أمة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عملت عليها، وتهرب الملائكة إلى أقطار السماوات والأرض خشية نزول العذاب على أهلها، فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها. انتهى.

وأما حده: فهو القتل، وذهب الجمهور إلى قتله رجما بالحجارة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: اتفق الصحابة على قتل الفاعل والمفعول به جميعًا، لكن تنوعوا في صفة القتل، فبعضهم قال: يرجم، وبعضهم قال: يرمى من أعلى جدار في القرية ويتبع بالحجارة، وبعضهم قال: يحرق، ولهذا كان مذهب جمهور السلف والفقهاء أنهما يرجمان بكرين كانا أو ثيبين. اهـ.

وقال الشوكاني في السيل الجرار: قد قتل اللوطي في زمن الخلفاء الراشدين، وأجمعوا على ذلك، ولا يضر اختلاف صفة القتل، وذهب إلى ذلك جماعة من العلماء. اهـ.

ولكنه لا يلزمك أن تقدم نفسك لإقامة الحد عليك، بل استر نفسك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... أَيُّهَا النَّاسُ: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ. رواه مالك في الموطأ.

وعن أبي هريرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من الناس وهو في المسجد، فناداه: يا رسول الله، إني زنيت، يريد نفسه، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله، فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه، فجاء لشق وجه النبي صلى الله عليه وسلم الذي أعرض عنه، فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبك جنون؟ قال: لا يا رسول الله، فقال: أحصنت؟ قال: نعم يا رسول الله قال: اذهبوا به فارجموه. متفق عليه.

قال ابن حجر: يؤخذ من قضيته أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه، ولا يذكر ذلك لأحد، كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز، وأن من اطلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا ولا يفضحه، ولا يرفعه إلى الإمام كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة: لو سترته بثوبك لكان خيرا لك، وبهذا جزم الشافعي ـ رضي الله عنه ـ فقال: أحب لمن أصاب ذنبا فستره الله عليه أن يستره على نفسه، ويتوب، واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر. اهـ.

قال ابن عبد البر في شرح الموطأ: فيه دليل على أن إظهار الإنسان ما يأتيه من الفواحش حمق لا يفعله إلا المجانين وأنه ليس من شأن ذوي العقول كشف ما واقعه من الحدود والاعتراف به عند السلطان وغيره، وإنما من شأنها الستر على أنفسهم، والتوبة من ذنوبهم، وكما يلزمهم الستر على غيرهم، فكذلك يلزمهم الستر على أنفسهم. اهـ.

وتجب عليك التوبة، والبعد عن هذا المنكر الفظيع، وراجع في الوسائل المعينة على التخلص منه الفتوى رقم:

6872.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني