الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أثر النفوس في حصول المعصية

السؤال

هناك أربع حوادث ذكرها القرآن سببها نفس الإنسان، وليس الشيطان.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فللذنوب والمعاصي أسباب منها: النفس، والشيطان, ولم نطلع على نصوص تنفي الأثر عن الشيطان، وتقصره على النفس، ولكنه ثبت ما يشير لأثر النفوس في حصول المعصية، قال الله تعالى في شأن النفس في الكلام على معصية قابيل: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ {المائدة:30}.

وأخبر عن امرأة العزيز أنها قالت: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ {يوسف:53}، قال السعدي: {إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} أي: الكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء، أي: الفاحشة، وسائر الذنوب، فإنها مركب الشيطان، ومنها يدخل على الإنسان. {إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي} فنجاه من نفسه الأمارة، حتى صارت نفسه مطمئنة إلى ربها، منقادة لداعي الهدى، متعاصية عن داعي الردى، فذلك ليس من النفس، بل من فضل الله ورحمته بعبده. انتهى.

وقد ورد في عدة آيات الحكم على كفار وعصاة الأمم بأنهم ظلموا أنفسهم، كما في قوله عن سبأ: فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ {سبأ:19}، وفي قوله إخبارًا عن موسى -عليه السلام-: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {البقرة:54}.

وقد تكلم بعض أهل العلم على حصول المعاصي في رمضان مع كون الشياطين مصفدين، فذكروا أن المعاصي قد تقع بسبب النفوس، وشياطين الإنس، فقد جاء في فتح الباري للحافظ ابن حجر: فإن قيل: كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرًا، فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك؟

فالجواب: أنها إنما تُغَلُّ عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه، وروعيت آدابه، أو المصفد بعض الشياطين، وهم المردة، لا كلهم، كما تقدم في بعض الروايات، أو المقصود تقليل الشرور فيه، وهذا أمر محسوس، فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره؛ إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية؛ لأن لذلك أسبابًا غير الشياطين؛ كالنفوس الخبيثة، والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني