الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تعارض بين فتح باب التوبة والإخبار عن بعض الكفار أنهم يموتون على الكفر

السؤال

هناك حديث صحيح يقول: "بالمغرب باب مفتوح للتوبة مسيرته سبعون سنة، لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها". ومع ذلك يأتي القرآن ليخبر عن أبي لهب في سورة المسد، وبعض المنافقين في سورة التوبة (فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون. فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه)؛ أنهم من أهل النار! فالآية واضحة بشأن أبي لهب، والمنافقين كذلك، فالله يقول إنه أعقبهم نفاقًا إلى يوم يلقونه، وهذا معناه أن الله سلبهم التوبة، وأغلق باب التوبة في وجوههم، فكيف أوفق بين الحديث الشريف الذى يخبرنا أن باب التوبة مفتوح وبين الآيات الكريمة التي تبين أن الله أغلق باب التوبة في وجه إبليس وأبي لهب والمنافقين في سورة التوبة؟ وهل يمكن أن يحدث أن يغلق الله باب التوبة في وجه أحد في عصرنا هذا ويومنا هذا مثلما فعل مع أبي لهب وبعض منافقي عهد نبينا عليه الصلاة والسلام؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا تعارض أبدًا بين كون باب التوبة مفتوحًا للعباد، وبين إخبار الله جل وعلا بأنه قضى على معينين من الخلق أنهم لا يتوبون، فهؤلاء مخصوصون من عموم النصوص المخبرة بقبول التوبة وفتح بابها.

وقال ابن تيمية: إذا أراد العبد الطاعة التي أوجبها الله عليه إرادة جازمة كان قادرًا عليها، وكذلك إذا أراد ترك المعصية التي حرمت عليه إرادة جازمة كان قادرًا على ذلك، وهذا مما اتفق عليه المسلمون وسائر أهل الملل حتى أئمة الجبرية، بل هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، وإنما ينازع في ذلك بعض غلاة "الجبرية" الذين يقولون: إن الأمر الممتنع لذاته واقع في الشريعة ويحتجون بأمره أبا لهب: بأنه يؤمن بما يستلزم عدم إيمانه. وهذا القول خلاف ما أجمع عليه أئمة الإسلام، واحتجاجهم بقصة أبي لهب حجة باطلة؛ فإن الله أمر أبا لهب بالإيمان قبل أن تنزل السورة، فلما أصرّ وعاند استحق الوعيد كما استحق قوم نوح حين قيل له: {أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن}، وحين استحق الوعيد أخبر الله بالوعيد الذي يلحقه، ولم يكن حينئذ مأمورًا أمرًا يطلب به منه ذلك. اهـ. باختصار من مجموع الفتاوى.

وأما قولك: (وهل يمكن أن يحدث أن يغلق الله باب التوبة في وجه أحد في عصرنا هذا ويومنا هذا مثلما فعل مع أبي لهب وبعض منافقي عهد نبينا عليه الصلاة والسلام؟): فكون بعض الخلق في عصرنا يحال بينهم وبين التوبة فهذا واقع بلا ريب -نسأل الله العافية-، لكن من المعلوم أن الوحي قد انقطع بموت النبي صلى الله عليه وسلم، فلا أحد يقدر على الجزم بأن معينًا قد حيل بينه وبين التوبة، وأنه سيموت على الكفر والنفاق.

وبعد هذا؛ فقد رأينا في أسئلتك السابقة إثارة للإشكالات في مسألة القدر، وقضية أبي لهب بخصوصها، كما في أسئلتك التي أجبنا عنها في الفتوى رقم: 314839، والفتوى رقم: 272617، وغيرها.

وننصحك بدراسة الكتب المعنية بشرح أبواب القدر على طريقة أهل السنة والجماعة -وقد ذكرنا بعضها في الفتوى رقم:24402-، فهذ أنفع لك من تكلف مثل هذه الأسئلة وتشقيقها وتكرارها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني